في ظل تصاعد السياسات الحمائية التي تبنتها الولايات المتحدة، تجد مجموعة بريكس نفسها أمام تحدٍ وفرصة في آنٍ واحد. فعوض الانصياع للضغوط، يتوقع أن تعمل هجمة رسوم الرئيس دونالد ترامب الجمركية على تقوية دفاعاتها التجارية رغم أن شقا من المحللين يشكك في قدرتها على ذلك.
يستهدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المثير للجدل مجموعة بريكس بشكل مباشر في حربه التجارية العالمية الشاملة، حيث فرض رسومًا جمركية باهظة على الواردات من البرازيل والهند، واتهمهما باتباع سياسات “معادية لأميركا.”
وأفادت رويترز أن علاقات الولايات المتحدة مع البرازيل والهند قد تدهورت إلى مستويات غير مسبوقة لكن هذا العداء قد يأتي بنتائج عكسية.
وأعلن البيت الأبيض الأربعاء أنه سيفرض رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25 في المئة على السلع الواردة من الهند، مشيرًا إلى استمرار واردات نيودلهي من النفط الروسي.
وبذلك، تصل نسبة الرسوم المفروضة على معظم السلع إلى 50 في المئة، وهي من بين أعلى النسب التي يواجهها أيّ شريك تجاري للولايات المتحدة.
وتواجه البرازيل أيضًا رسومًا بنسبة 50 في المئة على العديد من صادراتها المتجهة إلى الولايات المتحدة، ليس بسبب اختلالات الميزان التجاري، لكن المسألة تتعلق بغضب ترامب ممّا يسميه “حملة شعواء” ضد حليفه، الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، المتهم بالتخطيط لانقلاب عقب خسارته في انتخابات عام 2022.
ويقول جيمي ماكجيفر الخبير المالي الذي يكتب لوكالة رويترز إن هذا الانهيار في العلاقات قد يكون هو نية ترامب دفع هذه الدول إلى حافة الهاوية لقبول صفقات تجارية تميل بشدة لصالح واشنطن. ويبدو أن هذه الإستراتيجية نجحت مع اليابان والاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك فإن فرض رسوم باهظة على اقتصادات دول بريكس قد يزيد من تقاربها، ما يعزز عزيمة مجموعة يبدو أنها تفقد ما كانت تتمتع به من زخم وهدف ووحدة.
وتمثّل المجموعة بتركيبتها الراهنة 45.6 في المئة من سكان الأرض وربع الاقتصاد العالمي، وبالتالي هي قوة لا يستهان بها، بحسب تقديرات عدد من المراكز البحثية الاقتصادية الدولية.
ووفق بيانات منظمة التجارة العالمية، بلغ حجم اقتصادات دول بريكس 25.9 تريليون دولار بنهاية 2022، وهي تسيطر على نحو 20 في المئة من التجارة العالمية مع أسرع وتيرة نمو بين التكتلات الاقتصادية بلغت بنهاية العام الماضي 1.7 في المئة.
وعقدت دول بريكس الأصلية، البرازيل وروسيا والهند والصين، قمتها الأولى عام 2009، بعد ثماني سنوات من صياغة جيم أونيل، الخبير الاقتصادي السابق في بنك غولدمان ساكس، للاختصار الذي أطلقه على هذه المجموعة من الاقتصادات الناشئة.
وقال أونيل في ذلك الوقت إن هذا التحالف الناشئ “سيُشكّل تحديًا لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في المستقبل.”
وبعد عامين، انضمت جنوب أفريقيا إلى بريكس، وتضاعف عدد الأعضاء لتجمع بين عدد من أكبر منتجي الطاقة، وبعض أكبر المستهلكين في الدول النامية، ما يعزز الثقل الاقتصادي للمجموعة في عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة.
وتضم المجموعة الآن 11 دولة، منها مصر ودولة والإمارات وإندونيسيا وإيران، بالإضافة إلى تسع دول شريكة أخرى، منها ماليزيا ونيجيريا وتايلاند.
وحولت بريكس، وهي اختصار الأحرف الأولى من أسماء دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا باللغة الإنجليزية من شعار ابتُكر في بنك استثمار قبل عقدين، إلى ناد واقعي يسيطر على بنك متعدد الأطراف يساهم في التنمية.
وقادت الصين، التي أصبحت حالياً القوة الصناعية البارزة عالميا، جهود التوسع في المقام الأول، إذ تسعى إلى تعزيز نفوذها العالمي من خلال استقطاب الدول المتحالفة عادةً مع الولايات المتحدة. ودعمت جنوب أفريقيا وروسيا هذا التوسع.
ولطالما كانت بريكس متباينة جغرافيًا واقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا، ما يعني أن تماسكها كان دائمًا موضع شك. واتسمت علاقاتها بالتوتر في بعض الأحيان، لاسيما بين أكبر أعضائها.
ولهذا السبب، كان إعلان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الأربعاء عن نيته زيارة الصين لأول مرة منذ أكثر من سبع سنوات أمرًا بالغ الأهمية.
وقد يكون هذا مؤشرًا على أن التوترات المتصاعدة مع واشنطن تُسهم في تحسين العلاقات المتوترة بين نيودلهي وبكين.
ويوم الأربعاء أيضًا، صرّح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لرويترز بأنه يعتزم الاتصال بقادة الهند والصين لمناقشة ردّ مشترك من مجموعة بريكس على رسوم ترامب الجمركية.
وقال لولا “سأحاول مناقشة وضع كلٍّ منهم في هذا الوضع… حتى نتمكن من اتخاذ قرار.” وأضاف “من المهم أن نتذكر أن مجموعة بريكس تضم عشر دول في مجموعة العشرين،” في إشارة إلى المجموعة التي تضمّ 20 من أكبر اقتصادات العالم.
وفي حين أن لا شيء يوحد مثل عدو مشترك، فإن الاختلافات بين دول بريكس قد تحد من متانة هذه الجبهة.
ويفترض ستيفن جين، الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي المشارك للاستثمار في شركة يوريزون أس.أل.جي لإدارة الأصول في لندن، أن الروابط التجارية بين دول بريكس الخمس الأساسية – بغض النظر عن الروابط التاريخية والسياسية والثقافية – ضعيفة.
وبحسب التقديرات فإن 14 في المئة فقط من تجارتها فيما بينها. وقد تكون مستويات التجارة البينية بين روسيا والبرازيل أعلى.
ومع ذلك فإن 9 في المئة فقط من صادرات الصين مرتبطة ببريكس، وهي نسبة أقل بكثير من نسبة 19 في المئة التي تذهب إلى آسيا و15 في المئة الموجهة إلى الولايات المتحدة.
ومن الناحية الاقتصادية والسياسية والعسكرية، تُعتبر الصين أكثر أهمية من غيرها على الساحة العالمية. ويقول جين “بريكس أقرب إلى تحالف على الورق، وليس في الواقع.”
ولكن هناك دلائل على أن التجارة البينية بين دول بريكس آخذة في الازدياد. فقد بلغ حجم التجارة بين الصين وروسيا رقمًا قياسيًا بلغ 244.8 مليار دولار العام الماضي، وتُعدّ الصين والهند نت أكبر المشترين للنفط الروسي.
وتعتبر الصين أكبر شريك تجاري للبرازيل، حيث تُمثّل 28 في المئة من صادراتها و24 في المئة من وارداتها. وتُشكّل البرازيل ما يقارب 70 في المئة من واردات الصين من فول الصويا.
ويرى ماكجيفر أن رسوم ترامب قد تساعد في تقوية التقارب بين دول بريكس على المدى القريب في مجالات مثل التجارة والاستثمار واستخدام العملات.
وإلى جانب ذلك، قال “قد تشعر هذه الدول أن من مصلحتها الاقتصادية، وللبعض، من مصلحتها السياسية، تشكيل جبهة موحدة.”
ويجادل محللون بشأن موعد صمود الجبهة ومدى التنبؤ بذلك، لكن الثابت أن دول المجموعة، وخاصة الهند، قد تقاوم، الخضوع أكثر للنفوذ الصيني، وقد يُؤدّي وضع روسيا كدولة منبوذة إلى الحدّ من المزيد من التكامل الذي يتجاوز واردات السلع الأساسية.
وفي غضون ذلك، فإنّ وابل الرسوم الجمركية الذي فرضه ترامب مُرتبطٌ بدول بريكس. وقد يكون ردّ فعل هذه الاقتصادات الناشئة مؤشرًا على ما إذا كنا نشهد بالفعل إعادة ترتيب للتحالفات العالمية.



