رشوة للموظفين ولا مسّ بالمصارف

لم يخصّص في مشروع موازنة 2022 سوى مبلغ 1748 مليار ليرة لما سمّي «المساعدة الاجتماعية» التي يفترض أن يحصل عليها موظفو القطاع العام. هذه المساعدة محسوبة على أساس شهر واحد إضافي لمدّة سنة، إلا أنها لا تعدّ تصحيحاً للأجور ولا سلفة على غلاء المعيشة، كما أنه لا انعكاس لها على تعويضات نهاية الخدمة ولا على الراتب التقاعدي. الوصف الأدقّ أنها «رشوة» ستمارسها قوى السلطة على أبواب الانتخابات. وكسائر الرشى، فهي تأتي لتضرب مفهوم الحقّ بتصحيح الأجر بعد تضخّم في الأسعار بلغ 700% منذ 2019 وحتى نهاية 2021. أي أنه كان يفترض أن يحصل موظفو القطاع العام على زيادة توازي 7 أضعاف رواتبهم، لكن ما ستقدمه لهم قوى السلطة هو أقلّ من راتب إضافي مؤقّت. وبدلاً من أن يناقش مجلس الوزراء حصّة المصارف من خدمة الدين العام الملحوظة في الموازنة بقيمة تقدّر بنحو 4500 مليار ليرة، يغرق في نقاش الالتفاف على حقوق الموظفين.

في جلسة مجلس الوزراء أمس، وبعد نقاش امتدّ على أكثر من جلسة، توصّل المجلس إلى صيغة لإقرار بند «المساعدة الاجتماعية» يُعتقد أنها ستقرّ. وهي تنصّ على إعطاء موظفي القطاع العام أينما عملوا في هذا القطاع، سواء في البلديات أو الإدارات العامة أو الأسلاك العسكرية أو الضمان الاجتماعي أو الجامعة اللبنانية وسواها، مساعدة شهرية حدّدت بـ75% من قيمة رواتبهم على ألا تقلّ عن مليوني ليرة، ولا تزيد على أربعة ملايين ليرة. وبناء على اعتراض وزير العمل مصطفى بيرم، جرت زيادة نسبة المساعدة للمتقاعدين من 50% إلى 75% من أصل الراتب التقاعدي.

ما لم يُناقش فعلياً، هو زيادة غلاء معيشة لموظفي القطاع العام. فالإقرار بحقوقهم هو الأمر الوحيد الذي تستخفّ به السلطة. وبحسب مصادر وزارية، فإن الصيغة التي قدّمها وزير الطاقة وليد فياض، كانت متقدّمة أكثر من غيرها لجهة منح الموظفين زيادة تصل إلى أربعة أضعاف رواتبهم الحالية، لكن غالبية قوى السلطة رفضتها متذرعة بالكلفة المالية. ورغم أن حساب فياض لا يتعلق بإدراج الزيادة ضمن التعويضات والراتب التقاعدي باعتبارها زيادة نهائية على الأجر، إلا أنها كانت مبنية على حساب ما في مقابل استسهال تضمين راتب شهري إضافي في الموازنة. قوى السلطة لم توافق على مقترح فياض، بل قرّرت أن تناقش انطلاقاً من العمليات المحاسبية التي يقوم بها وزير المال وسعيه لخلق توازن رقمي بين النفقات والإيرادات من دون المساس ببنود أخرى.

في الواقع، كان بالإمكان توفير مبلغ كبير من خدمة الدين وتخصيصه في المقابل لزيادة الرواتب والأجور بطريقة نظامية بعيداً من سوق مزايدات قوى السلطة. لكن الأمر لا يتطلب سوى خفض الفائدة. فالمعدل المثقل للفائدة على سندات الخزينة يبلغ 7.28% على محفظة تبلغ قيمتها 91626 مليار ليرة. يحمل مصرف لبنان من هذه المحفظة نحو 57092 مليار ليرة، بينما تحمل المصارف الباقي. لكن ما تدفعه الدولة لا ينحصر بذلك، بل هناك قسم يدفعه مصرف لبنان عن شهادات الإيداع والودائع لديه بالليرة اللبنانية والتي تصل قيمتها إلى 22 ألف مليار ليرة، إنما بفائدة مثقلة تبلغ 8.81%. بحساب ضمن هامش خطأ مقبول، يتبيّن أن الخزينة تدفع نحو 4200 مليار ليرة لمصرف لبنان، وتدفع للمصارف نحو 2500 مليار ليرة. ومصرف لبنان يدفع نحو 2000 مليار ليرة للمصارف. باختصار، المصارف تحصل من هذه الفوائد على 4500 مليار ليرة رغم أنها مفلسة ولا تدفع ما يتوجب عليها للمودعين.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةعون أبلغ سليم موافقة الحكومة على منح مساهمة اجتماعية للمتقاعدين تساوي أساس الراتب
المقالة القادمةحافظوا على قديم سياراتكم… تجديدها سيغدو مستحيلاً