رغم عدم انتهاء الحرب بدأ الحديث عن اليوم التالي اقتصاديا

لم تنته الحرب بعد لكن بدأ الحديث عن اليوم التالي للحرب الذي يتطلب ورشة عمل تشمل إعادة إعمار ما دمرته الحرب وإعادة بناء الاقتصاد الذي تدمر أيضاً، أو استُكملت عملية تدميره بعدما أنهكته الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية التي تعصف بالبلاد منذ خمس سنوات تقريباً.

الخسائر كبيرة منها مباشر ومنها غير مباشر واللافت أن الجميع يجمع على اننا قادمون على مرحلة صعبة ستكون أصعب من المرحلة الحالية، وهذا ما أكده المشاركون في اللقاء التشاركي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مع منسق لجنة الطوارئ وزير البيئة ناصر ياسين ووزير الصحة فراس الأبيض إلى حد طالب رئيس المجلس شارل عربيد بإنشاء لجنة طوارئ اقتصادية اجتماعية للبحث عن حلول لما بعد وقف إطلاق النار .

والسؤال المطروح هنا ما هي السبل لإعادة النهوض والنمو بالاقتصاد الوطني في اليوم التالي للحرب؟

في هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي الدكتور أنيس بو دياب في حديث للديار: مما لا شك فيه أن الحرب ستنتهي يوماً ما وكلما كانت الحرب أطول كانت الكلفة أصعب و إعادة النمو أكثر كلفةً، لكن من البديهي أن يتم بعد الحرب إعادة إعمار وهي فرصة للنهوض، لافتاً أننا للأسف الشديد دخلنا الحرب ونحن مأزومون اقتصادياً من قطاع مصرفي منهار ومؤسسات حكومية تعمل ببطء أو لا تعمل، إلى شغور رئاسي وحكومة مبتورة لأنها حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب معطّل لا يتمكن من التشريع نتيجة اعتباره هيئة انتخابية.

وإذ رأى بو دياب أن موازنة ٢٠٢٥ لم تعد صالحة بسبب التغير في هيكلية الإيرادات والحاجة إلى نفقات إضافية، شدد على ضرورة البدء بالتفكير من قبل الحكومة ومجلس النواب مع المجلس الاقتصادي بوضع خطة أو وسائل سليمة لإعادة النهوض بالاقتصاد الوطني، “على أن نبدأ اولاً بانتخاب رئيس للجمهورية يعيد انتظام المؤسسات وحكومة غير عادية تتمتع بصلاحيات اقتصادية استثنائية تصدر مراسيم سريعة تُشرّع لاحقاً في مجلس النواب عندما يصبح بالإمكان التئامه “.

كما شدد بو دياب على ضرورة ملء الشغور في كل الإدارات العامة وتفعيل إعادة التواصل مع صندوق النقد الدولي وإعادة هيكلة المالية العامة والدين العام للحصول على مساعدات وقروض من المؤسسات المالية الدولية لأن دونها لا يمكن تمويل إعادة الإعمار.

و الأكثر أهمية وفقاً لبو دياب ضرورة المصالحة مع الحاضنة العربية تحديداً الدول الخليجية لأن مصدر التمويل الوحيد لنا هو من الأشقاء العرب، معتبراً هنا أن إعادة الوصل مع المؤسسات المالية هو فعلياً كإعادة الوصل مع العالم العريي .

ومن الأمور المطلوبة والأساسية أيضاً بعد انتهاء الحرب أشار بو دياب إلى تطبيق ما اتفق عليه خلال الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي ووضع مشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي على الطاولة بشكل جدي مع ضرورة الاعتراف بالخسائر واتخاذ قرار جريء من قبل السلطات المعنية والقطاع المصرفي لإعادة إحياء هذا القطاع لأنه لا يمكن تمويل إعادة الإعمار دون قطاع مصرفي وإلا يصبح هناك خلل كبير في إدارة السيولة المحولة لإعادة الإعمار .

وأيضاً يقول بو دياب يجب وضع تقرير مجموعة العمل المالي الذي وضعنا على اللائحة الرمادية على محمل الجد ومعرفة ومعالجة النقاط المطلوبة للخروج من هذه اللائحة والتي لها علاقة بالسلطة القضائية والسلطة التشريعية وبالسياسة المالية كالتهريب والتهرب الجمركي والضريبي، “وهذه الأمور أساسية كيلا نصبح في المستقبل على اللائحة السوداء وبالتالي عزل لبنان مالياً بشكل كامل وعندئذ يصبح إمكان إعادة الإعمار صعبا “.

ويتابع بو دياب : أيضاً يجب العمل على قوانين كانت قد وضعت في العام ٢٠١٧ كقانون الشركة بين القطاعين العام والخاص ويجب الانتهاء من مهزلة الكهرباء وكلفتها الباهظة التي بلغت ٤٠ مليار دولار خلال ٢٠ سنة كما يجب أن نعمل بشكل جدي على بناء أسس للدولة السليمة يبدأ بإعادة هيكلة القطاع العام بشكل ترفع إنتاجيته، لافتاً إلى أنه بتطبيق كل هذه الأمور يمكننا أن نخرج من أزمتنا الاقتصادية بشكل كبير.

ومن ناحية أخرى رأى بو دياب أنه لا بد من تحفيزات لمؤسسات القطاع الخاص على أن يكون هناك معرفة دقيقة للمؤسسات في تصنيفاتها الصناعية والزراعية والخدماتية وغيرها ومعرفة الخسائر والحاجات و كيفية تطوير قطاعاتنا الإنتاجية من أجل أن نكون قادرين على خلق فرص عمل لديمومة الاقتصاد وتحفيز هذه القطاعات من خلال مساعدات من المؤسسات الدولية .

وفي الختام شدد بو دياب على ضرورة أن يكون لدينا رؤية واضحة تجنباً للتضخم من خلال الإنفاق الذي يمكن أن يترتب عن إعادة الإعمار وبالتالي يجب أن نكون حريصين على المواءمة بين السياسة المالية وبين السياسة النقدية وإعادة النظر بالسياسات الضريبية على أن تقسم الخطة بين مرحلة قصيرة الأمد التي تأتي مباشرةً بعد للحرب ومرحلة متوسطة وأخرى طويلة الأمد لإعادة النهوض بشكل سليم لبناء دولة على أسس فعلية وليس مزرعة أو اقتصاد مبعثر في كل زاوية من زوايا الوطن .

أما في تقديره لكلفة إعادة الإعمار فيقدر بو دياب الخسائر بين ١٥ و ١٧ مليار دولار بين خسائر مباشرة وغير مباشرة “ونحتاج إلى١٠ أو ١٥ مليار دولار لإعادة الإعمار بشكل سريع لكن ليس بالضرورة أن تكون مباشرة دفعة واحدة بل على دفعات متتالية لثلاث او أربع سنوات على شكل دعم وقروض ميسرة “.

مصدرالديار - أميمة شمس الدين
المادة السابقةخسائر المساكن بالأرقام و22 قرية مسحت!
المقالة القادمةفضيحة “فوري” إلى الواجهة: الخناق يضيق على سلامة