رفع أسعار الاتصالات قَدَر من يجافي الإصلاحات

غالبية الدول تسير إلى الأمام من خلال تحديث تشريعاتها وتطوير أنظمتها، استجابة لمتغيرات إدارة المجتمعات الحديثة، فيما لبنان يرجع إلى الخلف. فالقوانين الإصلاحية المقرّة منذ عشرات السنوات «محبوسة» في أدراج الوزارات السوداء، وما «يزمط» منها، يخرج مشوّهاً ولا يطبق بالشكل الصحيح.

من أبرز هذه القوانين الممنوعة من التطبيق الفعلي، القانونان رقم 462 و431 اللذان يعود تاريخهما إلى العام 2002. فهذان القانونان يُعنيان بشكل مباشر بتشكيل الهيئة الناظمة بقطاعي الكهرباء والاتصالات، وتحريرهما إفساحاً في المجال أمام تقديم أفضل الخدمات بأقل الأسعار. المعارضة على القانون 431 كانت أقل شراسة. وقد جرى بالفعل تعيين رئيس وأعضاء الهيئة المنظمة للاتصالات لمدة 5 سنوات في المرسوم رقم 1 تاريخ 8/2/2007. إلا أن هذه التجربة لم يكتب لها الاستمرار وفتك بها مقص الصلاحيات، وقد تعطلت كلياً مع انتهاء ولايتها الأولى.

ترك التقرير في كل الأمور بيد الوزير، هو المحور الذي تدور حوله المشاكل في القطاعين. ما نشهده مؤخراً من فوضى رفع التعرفات والاشتراكات في قطاع الاتصالات خير دليل على ذلك، ودافع جدي لنزع هذه الصلاحية من يد الوزراء الذين تتحكم بهم الأهواء السياسية، أكثر من مراعاة المصلحة العامة وتطوير القطاع. فإذا كانت الحاجة اليوم لتعديل التعرفة أصبحت ملحة ولا غنى عنها، فإن «الطريقة المعتمدة، وما يطرح من أسعار وبدائل، لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي، ناهيك عن ضرب إمكانيات تطوير القطاع»، يقول الخبير في مجال الاتصالات والمدير العام السابق لشركة «تاتش»، وسيم منصور. فـ»مقدار الزيادة يجب أن يتحدد بعد تخفيض النفقات، ووقف الهدر الذي وصل إلى 200 مليون دولار في قطاع الخلوي بحسب لجنة الإعلام والاتصالات النيابية. وعلى الزيادة الموضوعة أن توازن بين القدرة الشرائية للمشتركين، وبين استمرارية القطاع. هذا من الناحية المبدئية بغض النظر عن مقدار هذه التعرفة.

أمام هذا الواقع المشوّه يبرز السؤال عن استعجال وزارة الاتصالات تغيير الأسعار قبل تعيين الهيئة الناظمة، التي لا ينفك الوزير عن ذكرها كواحدة من أولوياته. وأليس «رصد التعرفات ومنع التصرفات غير التنافسية»، و «تنظيم الإمتيازات، وإصدار التراخيص»… هي واحدة من مهمات الهيئة؟

يجيب مصدر متابع ان «مهمات الهيئة الناظمة كبيرة ومتنوعة ولو قدر لها أن تكون مستقلة وتعمل فقط بحسب القانون 431 لما كان هناك من مشاكل في القطاع. إنما الخشية هي بعدم تطبيق القانون حتى لو تم تشكيل الهيئة اليوم تحت الضغط الدولي.

المشكلة الثانية بحسب المصدر تمثلت بـ»تحالف القطاع الخاص مع وزير الاتصالات ضد الهيئة. ذلك أن الوزير يملك صلاحية إعطائهم التراخيص ISP وDSP وليس الهيئة. ووصل الامر بالقطاع الخاص إلى التقدم بدعاوى بوجه الهيئة الناظمة. مع العلم إنها أسست للدفاع عن القطاع الخاص وخلق مناخ ومجال استثماري».

المطلوب اليوم تطبيق القانون 431 وإنشاء هيئة ناظمة محايدة لا يتم تعيين أعضائها على مبدأ المحاصصة، وإلا فان المشكلة ستتفاقم أكثر. فبالشكل يظهر لبنان وكأنه يسير باتجاه الاصلاح، فيما الحقيقه أنه يغرق أكثر في وحول الفساد والمقاسمة والمحاصصة. فالمصيبة ليست بالقانون إنما بعدم تطبيقه.

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةالتضخم 825 في المئة… والأسعار إلى مزيد من الارتفاع
المقالة القادمةجولة اقتصادية – زراعية على مزارع المواشي والدواجن