سيعاني كلّ اللبنانيين من موجة تضخّم عاتية، بسبب زيادة الرسم الجمركي المدفوع على السلع المستوردة بما يزيد عن 600 %، في حال تمّ تعديل الدولار الجمركي ليصل إلى 12 ألف ليرة، وذلك ضمن محاولة لتقريبه قدر الإمكان من معدّلات الصرف التي تعكسها يوميّاً منصّة صيرفة، وقد يقتصر على 567 % إذا أقرّ الدولار الجمركي بـ10 آلاف ليرة.
لكن لماذا تتوجه حكومة ميقاتي إلى رفع هذا الدولار؟ وأين ستصرف العائدات الجديدة؟
1- يتحضّر ميقاتي لمنح العاملين في القطاع العامّ مساعدات اجتماعيّة خاصّة، بالإضافة إلى زيادات في بدل النقل. والإفراط في الاعتماد على مصرف لبنان لتمويل هذه الزيادات والمساعدات بطباعة الليرات، سيؤدّي إلى زيادة الضغط على سعر صرف الليرة اللبنانيّة بنسبة كبيرة، وهو ما يدفع الحكومة إلى محاولة الحصول على هذا التمويل من خلال زيادة التحصيل الضريبيّ.
2- خلال استعداد الحكومة لمسار مفاوضاتها مع صندوق النقد، يصرّ الأخير على إعادة هيكلة الماليّة العامّة وتقليص نسب العجز فيها كجزء من الإصلاحات التي يريدها قبل دخول لبنان في أيّ برنامج قرض معه. ويشترط إعادة تفعيل التحصيل الضريبيّ، وتصحيح التشوّهات التي أصابت النظام الضريبيّ خلال الفترة الماضية. وفي الوقت نفسه، يعتبر الصندوق أنّ اعتماد الدولة على سعر الصرف الرسميّ القديم لتحصيل جزء من الضرائب والرسوم يمثّل أحد مؤشّرات فوضى أسعار الصرف، التي يفترض أن يتمّ التخلّص منها تدريجيّاً.
سيتفاوت تأثير القرار على أسعار السلع المستوردة، وفقاً لمنشئها وطبيعتها ونسبة الرسم الجمركي المفروض عليها. فجزء كبير منها، خصوصاً تلك الواردة من الاتحاد الأوروبي والدول العربيّة، تستفيد من إعفاءات جمركيّة وفقاً لمعاهدات خاصّة، وهو ما يجعل تأثير معدّل الدولار الجمركي عليها شبه معدوم. ولهذا السبب، لن تتأثّر أسعار هذه السلع بعد اتّخاذ القرار. أمّا سائر السلع فتراوح معدّلات الرسوم الجمركيّة المفروضة عليها من 5% إلى 100% بحسب نوع السلعة ودرجة كماليّتها، وبحسب البدائل المتوفّرة محليّاً من الإنتاج الوطني.
في النتيجة، سيتحمّل جميع المستهلكين كلفة هذا التصحيح في السياسة الضريبيّة وسعر الصرف المعتمد لتطبيقها، وهذه خطوة كان من المفترض القيام بها عاجلاً أو آجلاً. لكنّ الإشكاليّة الأساسيّة هنا هي أنّ محدودي الدخل سيتحمّلون هذه الكلفة، من دون أن يستفيدوا من تصحيح أسعار صرف أخرى تُلحِق بهم الإجحاف حاليّاً، كسعر الصرف المعتمد للسحوبات من المصارف وفقاً للتعميم 151.
في الوقت الراهن، ما زال المستوردون يسدّدون كلفة الرسوم الجمركيّة عند دخول السلع إلى لبنان وفقاً لسعر الصرف الرسمي القديم، أي 1507.5 ليرات للدولار الواحد. فعلى سبيل المثال، إذا كانت قيمة سلعة مستوردة 10$، وإذا كان الرسم الجمركي عليها محدّداً عند مستوى 10% من قيمتها، سيكون على التاجر أن يسدّد دولاراً واحداً رسماً جمركيّاً للدولة اللبنانيّة. لكن بالليرة وبحسب سعر الصرف القديم، لن تتخطّى قيمة الرسم الجمركي 1507.5 ليرات على هذه السلعة. أمّا إذا تمّ تعديل الدولار الجمركي وزيادة قيمته إلى 10,000 ليرة للدولار مثلاً، فسيبقى الرسم الجمركي دولاراً واحداً، لكنّ كلفة تسديده بالليرة سترتفع إلى 10,000 ليرة، أي نحو 6.6 أضعاف الرسم القديم.
ستكون حكومة ميقاتي قادرة على التعامل مع هذا الملفّ من خلال مرسوم يصدره مجلس الوزراء، من دون أن تحتاج إلى غطاء تشريعي من المجلس النيابي، باعتبار أنّ قانون الجمارك الصادر سنة 2000 ينصّ على تحويل قيمة البضائع المستوردة إلى الليرة اللبنانيّة بحسب معدّل التحويل الذي يحدّده دوريّاً مصرف لبنان. ولمّا كان المصرف المركزي نفسه قد انتقل من مرحلة سعر الصرف الموحّد والثابت إلى مرحلة أسعار الصرف المتعدّدة، فالحكومة باتت تملك الغطاء القانوني لاعتماد سعر صرف مختلف عن السعر القديم. ولن تكون الحكومة قد فرضت بذلك أيّ ضريبة جديدة تحتاج إلى تشريع خاص وجديد من المجلس النيابي قبل القيام بهذه الخطوة.
للتذكير، فإنّه قبل مجيء حكومة ميقاتي، عمل وزير المال السابق غازي وزني على صيغة لم يتمّ العمل بها في ذلك الوقت لزيادة الدولار الجمركي إلى معدّل يراوح بين 3900 و8000 ليرة للدولار الواحد، على أن يتمّ اعتماد هذا المعدّل بشكل مرحليّ مؤقّت بانتظار بلورة سعر صرف موحّد وعائم يمكن اعتماده لهذه الغاية.