رفع السريّة المصرفيّة والتدقيق المصرفي قبل توزيع الخسائر

يحتدم النقاش حول خطة التعافي الإقتصادي. تنقسم حولها المواقف بين مؤيد يعتبرها أفضل الحلول الممكنة لطي صفحة الخسائر، ومعارض يرى فيها ضربة قاضية للقطاع المصرفي. أمّا محور الخلاف فيدور حول نقطة أساسية وهي توزيع الخسائر، وما سوف يترتب عليه من أعباء على المصارف وعلى المودعين.

لم يعد الخلاف حول حجم الخسائر كما كان في السابق حيث سادت حالة من الإنكار تخفي إرادة خفية بالإستمرار بسياسة الهروب إلى الأمام. أقرّ الجميع أخيراً بأن الخسائر تجاوزت الـ70 مليار دولار كما جاء في أول تقرير لشركة “لازارد”. لكن الخلاف ما زال قائماً حول تحديد المسؤوليات وبالتالي الكلفات المترتبة على الأطراف.

بداية، لا بدّ من التذكير أن معظم الخسائر يندرج حسابياً في ميزانيات المصارف ومصرف لبنان. فالمصارف قامت بشكل أساسي بتمويل الحكومات المتعاقبة دون شروط. أما مصرف لبنان بالإضافة إلى مدّ الحكومة بالسيولة، فقد أنفق المليارات لدعم الليرة اللبنانية في إطار سياسة تثبيت سعر الصرف.

لا يتحمل المودعون طبعاً أي مسؤولية في إقراض الدولة، ولا في تداعيات السياسة النقدية المعتمدة. هم في الأساس ليسوا طرفاً (بل ضحية) في المعادلة القائمة بين السلطتين السياسية والمصرفية في تلك الآونة التي امتدت ثلاثة عقود، والتي كانت ركيزة نظام المحاصصة وقاعدة الإقتصاد الريعي الملحق به. أما وقد انهار هذا النظام وظهرت فداحة الخسارات فالسؤال: هل يجوز تحميلها كلياً أو جزئياً للمودعين، وبأي نسب؟ وهل يصح ما قاله أحد النواب منذ أيام قليلة أن لا فرق بين مودع وآخر؟

الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب أولاً الكشف عن هوية المودعين والإطلاع على كيفية تكوين هذه الودائع ومصادرها. فهناك فرق شاسع بين مودع، كبير أو صغير، استودع مصرفاً ما أموالاً جناها بكدّه وعرق جبينه في لبنان أو في المهجر أو ورثها عن أقاربه، أو نتيجة نشاطه التجاري أو الإستثماري، وبين مودع آخر، من أصحاب النفوذ والعلاقات والمحسوبيات، راكم الثروات والأرباح السريعة من خلال استثماره بالهندسات المالية أو اكتتابه بسندات خزينة أو شهادات إيداع كانت محصورة بفئة معينة وضمن حلقة ضيقة.

كما هنالك فارق كبير بين مودع عادي عالق في مصرف، أمواله محتجزة تخضع لتقنين المراسيم، ومودع آخر من كبار القوم استطاع توظيف علاقاته ونفوذه لتحويل أمواله إلى الخارج عبر النظام المصرفي بعد الأزمة التي حلت بالقطاع.

لهذه الأسباب لا يمكن مقاربة مسألة الخسائر وتحميل أي جزء منها للمودعين إلا بعد رفع السرية المصرفية، وعلى ضوء تدقيق مفصل تقوم به جهة خارجية موثوق بها، ترفع الستار عن الأسماء وتفاصيل الحسابات وتكوينها خلال الفترة السابقة.

أما في البديهيات التي تغيب عن النقاش أو تغيّب عنه، فهو أن في حالات الإفلاس وفي تراتبية تحمّل الخسارات، يأتي على رأس القائمة، وذلك وفق القوانين المرعية الإجراء، أصحاب رأس المال، أي أصحاب المصارف، يليهم الدائنون، وهم في حالتنا هذه المودعون. وهؤلاء لا يمكن وضعهم في سلة واحدة… فشتّان ما بين مودع وآخر.

مصدرنداء الوطن - سامي نادر
المادة السابقةالمياه المعبّأة… ما لها وما عليها
المقالة القادمةلم يسبق أن سُجِّلت سابقاً… 9000 دولار كلفة الحج