مع انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية بوجه الدولار، عمدت غالبية القطاعات إلى دولرة فواتيرها بما فيه القطاع الاستشفائي، ما جرّد المواطنين عموماً والمؤمّنين خصوصاً من التغطية الصحية، لاسيما عند التعرّض إلى أضرار جسدية نتيجة حوادث السير.
وعلى الرغم من ارتفاع قيمة بوالص التأمين الإلزامي عدة مرات، إلا أن التغطية الصحية بقيت غير كاملة، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل مستمر، وارتفاع فواتير المستشفيات بشكل مضطرد بالمقارنة مع قيمة الليرة اللبنانية. ما دفع بوزارة الاقتصاد إلى اتخاذ قرار برفع قيمة بوالص التأمين الإلزامي عن المسؤولية المدنية للأضرار الجسدية التي تسببها المركبات البرّية للغير، بما يؤمن التغطية كاملة وبالدولار حصراً. فكم بلغت قيمة البوالص؟ وهل ستغطي شركات التأمين بموجبها الفواتير الاستشفائية بشكل كامل؟ والسؤال الأهم هل لشركات التأمين القدرة على تغطية التعويضات بشكلها الجديد؟
قيمة البوالص
قبل اندلاع الأزمة المالية عام 2019 كانت قيمة بوليصة التأمين الإلزامي 65 ألف ليرة والحد الأقصى لسقف تغطيتها كان 75 مليون ليرة. وفي نهاية العام 2019 بدأت تتراجع قيمة العملة المحلية تدريجياً، وعليه لم تعد تغطية الـ75 مليون ليرة كافية لتغطية الأضرار الجسدية الناجمة عن حوادث السير.
وفي ظل الفراغ الحكومي وصعوبة استصدار مرسوم في هذا الشأن، حاولت المؤسسة الوطنية للتأمين الالزامي معالجة الأزمة، فأجرت دراسة اكتوارية، وحددت تقنياً السعر الأنسب لبوليصة التأمين الإلزامي في ظل سعر الصرف المتغير وفواتير الاستشفاء المتزايدة.
ثم ارتفعت تسعيرة البوليصة من 65 ألف ليرة إلى 150 آلفاً، لأول مرة، ثم جرت العملية نفسها بداية العام 2022، حين بدأت المستشفيات تتقاضى فوارق إضافية للفواتير الاستشفائية بالدولار “الفريش”.
يوضح مصدر مسؤول في وزارة الاقتصاد، أن شركات التأمين لم تعد تتمكن حينها من التغطية كاملة، فتم رفع سعر البوالص من جديد إلى 400 ألف ليرة على أن يبلغ الحد الأقصى لسقف التغطية 3 مليارات ليرة، باعتبار أن المستشفيات بدأت تتقاضى كامل فواتيرها بالدولار.
لكن مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار، عادت أزمة غياب التغطية لأصحاب بوالص التأمين الإلزامي إلى المربع الأول. فتوقفت شركات التأمين عن التغطية الكاملة للمتضرّرين، ما دفع بالمعنيين إلى إعادة النظر من جديد بحجم التغطية وقيمة بوالص التأمين الإلزامي.
ويوضح المصدر أنه تم وضع دراسة اكتوارية خلصت إلى رفع سعر البوالص من 400 ألف ليرة إلى 800 ألف ليرة، مع رفع الحد الأقصى لسقف التغطية إلى 7 مليارات ليرة، على أن تتم تغطية المؤمّنين عن أضرار الحوادث، بشكل كامل وتام من دون تحميلهم أي فروقات. علماً أن تغطية الـ7 مليارات تسري على التعويضات والوفاة والاستشفاء.
قدرة شركات التأمين
بعد رفع وزارة الاقتصاد قيمة بوالص التأمين الإلزامي إلى 800 ألف ليرة، وسقوف التغطية إلى 7 مليارات ليرة، اعترضت العديد من شركات التأمين على القرار باعتبار أن رساميل شركات التأمين يتراوح بين 3 و8 مليارات ليرة فقط. وهذا يعني -حسب مصدر في قطاع التأمين- أنه في حال وقوع أكثر من حالة وفاة نتيجة حوادث السير في شركة تأمين واحدة فذلك قد يعرّضها للإفلاس. ويسأل المصدر “كيف يمكن أن تغطي شركة تأمين قيمة بوالص تفوق قيمة رأسمالها؟ بمعنى آخر في حال وقوع 3 حوادث فقط في شركة معيّنة، فذلك سيعرض الشركة للإفلاس، لاسيما أن تعويض الوفاة نتيجة حوادث السير يتراوح بين 10 و12 في المئة كمعدل وسطي من قيمة التغطية، أي ما لا يقل عن 800 مليون ليرة.
ويلفت المصدر من قطاع التأمين إلى أن رساميل الشركات، ومنها المودعة لدى وزارة الاقتصاد وتتراوح 3 مليارات و8 مليارات ليرة، أصبحت ضئيلة جداً بالنظر إلى إحصائيات الوفيات الناجمة عن حوادث السير، فقد بلغت العام الماضي على سبيل المثال نحو 400 حالة، وعليه يفوق مجموع تعويضات الوفاة رساميل الشركات مجتمعة.
تلك الهواجس يبدّدها المصدر المسؤول في الوزارة، بقوله ان التعرفات الجديدة تم وضعها بناء على دراسة اكتوارية، تأخذ بالاعتبار سعر البوالص وتعرفة الاستشفاء. ما يعني أن مسألة التغطية لن تشكل خطراً على وضع الشركات، والقرار ليس فيه أي اجحاف بحقها. كاشفاً عبر “المدن” عن مساع تقوم بها الوزارة تستهدف إعادة النظر برساميل الشركات ورفعها في المرحلة المقبلة.
وقال المصدر “أن أموراً عدة يتم العمل عليها بانتظار عودة المؤسسات إلى عملها الطبيعي، لاسيما السلطة التشريعية. لكن مسألة زيادة الرساميل يتم العمل على رفعها جدياً، وقد تم وضعها على رأس الأولويات”. ويذكّر بأن شركات التأمين لديها حساب احتياطي يجمد في وزارة الاقتصاد (IBNR) وهو احتياط للحوادث حصراً، يتم إيداع مبالغه بالدولار وليس بالليرة. واحتياط الحوادث منفصل عن رساميل الشركات. وهذا أمر يجب أن يشكل تطميناً للمؤمّنين الذين عليهم أن يعلمواً أيضاً بأنه بات من حقهم الحصول على تغطية استشفائية كاملة نتيجة الحوادث، ابتداء من بداية شهر كانون الأول المقبل، من دون أن يتكفّلوا بأي فروقات للفواتير في المستشفيات، لا بالدولار ولا بالليرة.