شهد هذا الأسبوع أحداثاً سياسية ونقدية ومالية دراماتيكية، تركت بصماتها السّلبيّة على المسار العام في البلاد، وأثارت أكثر من علامة استفهام حول ما هو قادم في المدى المنظور.
سياسياً، عادت التوتّرات السياسية بين الأطراف اللبنانية، وهذه المرّة بين معسكر المعارضة والحكومة الحالية، التي تعرّضت ورئيسها لهجوم كبير على خلفية الورقة المالية الإصلاحية للحكومة، إذ رأت فيها القوى المعارضة، إنقلاباً على النظام الاقتصادي والمالي والمصرفي في لبنان، الأمر الذي استدعى ردّاً عاجلاً من رئيس الحكومة حسّان دياب على الحملة التي طالته شخصياً. هذا الأمر ربّما كان وراء ارتفاع الدّولار أمام اللّيرة لدى الصرافين في السوق السوداء بشكل قياسي، حيث تجاوز مستوى الـ 3100 ليرة للمرّة الأولى.
ماليّاً ونقديّاً، شهد هذا الأسبوع تخبّط مصرف لبنان في سياساته، وهذا كان واضحاً في التعاميم والقرارات التي أصدرها الأسبوع الجاري، والتي سرعان ما عاد المصرف واضطرّ إلى تصويب وتوضيح بعضها، ومنها التعميم الذي أصدره لمؤسسات تحويل الأموال، حيث طلب منها دفع التحويلات الآتية من الخارج بالعملات الأجنبية بالليرة اللبنانية، وإيداعه الدّولارات الوافدة، على أن يتم الصرف على أساس السّعر الرّائج في يوم وصول التّحويل. هذا التّعميم أثار أكثر من علامة استفهام حول أسبابه ونتائجه، ما دفع مصرف لبنان بعد ساعات قليلة إلى إصدار بيان توضيحي قال فيه، إن هذا التّعميم صدر بناء على طلب هذه المؤسسات بهدف تسهيل عمليّاتها، وهو توضيح لم يقنع الكثيرين. كما كان لتعميم مصرف لبنان السّابق، المتعلّق بالطلب إلى المصارف دفع الودائع الصغير لأصحابها (أقل من 5 ملايين ليرة، وأقل من 3 آلاف دولار) على أساس سعر السّوق، مراجعة من قبل مصرف لبنان والمصارف، التي طلبت إرفاق التّعميم بآليّات التنفيذ، مع الإشارة هنا إلى أن السّعر الذي حدّدته للدّولار في هذه العمليات هو 2600 ليرة، أي أقل بـ 500 ليرة عن سعر السّوق الرّائج الذي تجاوز 3100 ليرة للدّولار.
والبارز هذا الأسبوع، تمثَّل بخطّة الإصلاح المالي للحكومة، التي أعلن عن خطوطها الرئيسية رئيس الوزراء حسّان دياب، وهي الخطة التي تتضمّن إعادة هيكلة للقطاع المصرفي ولمصرف لبنان وللقطاع العام، والعمل للحصول على دعمٍ مالي من الخارج، لا سيّما من “صندوق النّقد الدّولي” و”مؤتمر سيدر”. ورغم تأكيد دياب عدم وجود “Haircut” لودائع النّاس في الخطّة، وتأكيده أن 98 % من الودائع لن تمسّ، إلّا أنّ هذا الكلام تجاوزته المعارضة، لتشنّ على دياب في اليوم الثّاني معركة شديدة، تحت شعار (الدّفاع عن النّظام الاقتصادي الحر وعن ودائع النّاس).
وباختصار، لا تبدو الأجواء مشجّعة أو تفاؤليّة على المدى المنظور لناحية حصول أي متغيّرات اقتصاديّة أو ماليّة أو نقديّة، مع ظهور مؤشّرات مثبّتة بأن حكومة حسّان دياب ستبقى تحت ضغط القوى المعارضة لإحراجها، ومن ثمّ إخراجها من “جنّة الحكم”، في المقابل لا يبدو رئيس الحكومة مستسلماً، ما يعني لا إصلاحات ولا مكتسبات في المدى المنظور، في الوقت الذي يبقى فيه لبنان كما غيره من دول العالم، تحت ضغط وباء “كورونا” القاتل بانتظار الفرج.