لم يختتم اتفاق وقف إطلاق النار مشهد الحرب التي اندلعت في 8 تشرين الأول 2023. فالمآسي لم تُنسَ ملامحها بعد، والركام لا يزال يسدّ الكثير من الطرقات ويمنع تسرُّبَ الحياة الطبيعية إلى المناطق التي تعرَّضَت للقصف. وإذ يحاول الأفراد استعادة بعض جوانب يومياتهم، تبقى الاستعادة مجتزأة بانتظار إطلاق عملية إعادة الإعمار التي تبدأ خطوتها الأولى بإزالة الركام ومخلّفات الأبنية والمؤسسات المدمَّرة.
الردم في مكانه
التجوُّل في القرى والمدن التي كانت مسرحاً للاعتداءات الإسرائيلية طيلة أكثر من عام، يُبيِّن أن الخراب كبير وأنه لا بدّ من إطلاق سريع لعملية إعادة الإعمار كي تحاول الناس العودة إلى حياتها الطبيعية واستعادة النشاط الاقتصادي لتعوِّضَ بعض الخسائر. لكن حتى اللحظة لا تزال عملية إعادة الإعمار ضبابية،. يشير رئيس بلدية قرية “معركة” في قضاء صور، عادل سعد إلى أنه “حتى الآن لم نبدأ بإزالة الركام”. ويوضح في حديث لـ”المدن” أنه “لم نعرف بعد إذا كان هناك خطّة على مستوى كل قرية أو كل قضاء أو كل محافظة، فهذا الملفّ ليس واضحاً بعد”.
وتزداد الحاجة لتسريع عملية إزالة الركام ورفع أنقاض الأبنية والمؤسسات المهدّمة، نظراً لصعوبة العمل في فترة الأمطار الغزيرة، وهي الفترة التي تمتد من شهر كانون الأول الجاري إلى شهر شباط. كما أن بقاء الردم في مكانه يؤدّي إلى انجراف المزيد من الأتربة والمخلّفات نحو مجاري مياه الأمطار، فتتسبَّب بانسدادها وفيضان المياه في الشوارع. فضلاً عن أن استمرار وجود الركام في الشوارع يعيق تحرّك المشاة والسيارات داخل الأحياء في القرى والمدن، ويؤخِّر متابعة الناس لأعمالها.
ردم البحر
إذا كانت الخطوة الأولى في عملية إزالة الركام غير واضحة، فإن أفكار الاستفادة من ذلك الركام أكثر وضوحاً لدى الكثير ممَّن قد يستفيدون من إعادة الإعمار، سواء الأفراد أو الشركات النافذة.
وأبرز المخاوف التي ترتبط بتلزيم إزالة الركام والتخلّص منه، هي ردم البحر، خصوصاً في أماكن غير مناسبة وعبر أساليب غير مبنية على أسس علمية تضمن سلامة البيئة وحُسن الاستفادة العامة من المساحات المردومة. وهذه الوسيلة السريعة للتخلّص من الردم، استُخدِمَت خلال أكثر من مرحلة، أبرزها بعد انتهاء الحرب الأهلية مطلع التسعينيات، وبعد حرب تموز 2006.
وأولى ملامح ردم البحر، يشير إليها أحد المهندسين المدنيين المتابعين لملف إزالة الركام لسنوات. فيقول في حديث لـ”المدن” إنّ الكلام بدأ “حول استعمال الركام في منطقة صور، لردم البحر وتوسيع مرفأ المدينة”. ويؤكِّد المهندس أن هذه الفكرة “يجري تداولها من دون خطط علمية تأخذ بالاعتبار المساحات المحاذية للمرفأ الحالي، من شاطىء وطرقات وأبنية، فضلاً عن أن ركام الأبنية يتكوَّن من أجزاء صغيرة لا يمكنها الصمود في البحر، فتسحبها حركة المياه، ناهيك بأن الحديد الموجود في الركام غير مقاوم لماء البحر”. ويأسف المهندس إلى أن “طريقة إعادة الإعمار التي اعتدنا عليها في لبنان، تُبنى على السمسرات، إذ تشكِّل عملية إعادة الإعمار فرصة للنافذين في البلد لتقاسم المصالح بدءاً من رفع الأنقاض والتخلّص منها بطرق مربحة لهم لكنها أكثر ضرراً على البيئة والصالح العام”.
من جهته، يرفض رئيس بلدية صور حسن دبوق فكرة ردم البحر لتوسيع المرفأ. ويؤكِّد لـ”المدن” أن “الفكرة طرحت سابقاً قبل الحرب، لكن البلدية رفضتها. فالمكان الحالي للمرفأ لا يحتمل التوسعة. كما أن المطلوب وفق حجمه ومكانه، تحويله إلى مرفأ سياحي للمدينة، والعمل على إنشاء مرفأ تجاري آخر. فالمدينة وجهة سياحية قادرة على استقبال 10 آلاف سائح، ولديها القدرة على استيعاب 20 ألفاً إذا تمّ تحضير البنية التحتية”. ولفت دبوق النظر إلى أنه جرى إبلاغ وزير الأشغال العامة علي حمية، في وقت سابق، برفض توسعة المرفأ الحالي لعدم وجود البنية التحتية المناسبة لتوسعته كمرفأ تجاري”.
وعوض ردم البحر أو التخلّص من الركام بطرق غير صحيحة، يقترح دبوق “حمل الركام إلى أماكن الكسارات في القرى، وردم تلك الكسارات بإشراف وزارة البيئة، ثم وضع التراب فوقها واستصلاحها لإعادة زرعها. وهذا حلّ عادل لمشكلة الكسارات والركام”.
الكلام كثير، لكن البلاد وأهلها في سباق مع الوقت لاستعادة حياتهم وطيّ صفحة الحرب بصورة مناسبة يظهر عنوانها من عملية إزالة الركام وإعادة الإعمار التي لم تبدأ بعد.