ركِّزوا على مفوّض الحكومة لدى “المركزي”!

قبل أشهر، انتهت ولاية نوّاب حاكم مصرف لبنان الأربعة لتدخل هذه المراكز في فراغ في ظلّ عدم التوافق على الاسماء من قبل “زعماء” الطوائف. تكرّس هذه التعيينات الاعتبارات الطائفية من دون اي اعتبار للحَوكَمَة التي من المفترض أن تضبط عمل كلّ المؤسسات، من دون استثناء.
قبل الغوص في صلاحيات النواب الاربعة، لا بدّ من التطرق الى قضيّة “عزل” الحاكم من منصبه وهو ما كان يرغب به بعض السياسيين خلال الفترة الماضية. في الواقع، أحاط قانون النقد والتسليف هذا الموقع بهالة تحميه. ورغم كثرة الانتقادات التي طاولت أداء حاكميّة مصرف لبنان النقدي لا سيما في السنتين الاخيرتين، إلا أنّ إقالته أمر شبه مستحيل نظراً للشروط الضيّقة لا بل المستعصية والمنصوص عنها قانوناً. وهذا ما تؤكده المادة 19 من القانون عينه التي تُجيز اقالة الحاكم من وظيفته في حال أُثبتت معاناته من عجز صحي وذلك بحسب الاصول، او في حال إخلاله بواجبات وظيفته (في ما عناه قانون العقوبات)، أو لخطأ فادح ارتكبه في تسيير الاعمال. والامر سيّان بالنسبة الى نوابه الذين لا يمكن اقالتهم من وظيفتهم الا للاسباب الموجبة عينها، ولكن باقتراح من الحاكم او بعد استطلاع رأيه.

يعيّن الحاكم المهام التي يكلّف بها نوابه خلال فترة تأديتهم للوظيفة. لذلك، يعتقد كثيرون أن لا دور أساسياً للنواب إلا أنّ دورهم الجوهري يكمن بحسب قانون النقد والتسليف في عضويّتهم في المجلس المركزي، وهو الجهة المناط بها إقرار السياسات النقدية والمصرفية. في المجلس، يصبح الجميع سواسية، اي أن القرارات تُتّخذ بالتصويت بين الحاكم ونوابه بالاضافة الى مدير وزارة المالية العام، ومدير وزارة الاقتصاد الوطني العام. ذلك يعني ان حضور النواب ضروري لاتخاذ القرارات كافة وبدونهم لا يمكن اقرار أي تدبير اذ بوسعهم تعطيل نصاب الجلسات، مع الاشارة الى أن للحاكم الرأي المرجّح عند تعادل الاصوات. الى ذلك، وفي حال شغور منصب الحاكم، يتولى نائب الحاكم الاول مهام الحاكم ريثما يعين حاكم جديد. ويتولى هذه المهام نائب الحاكم الثاني عند غياب نائب الحاكم الاول. بحسب المادة 18 من قانون النقد والتسليف، يقدم وزير المال اقتراحاً للحكومة من أجل تعيين نواب الحاكم بعد استشارة الحاكم. لكنّ العادة في لبنان جرت عكس ذلك، فالزعامات الطائفية التي تتدخّل في كلّ شاردة وواردة تنفرد في الاقتراح كما وفي التعيين. وبحسب النص القانوني، استشارة الحاكم مجرّد إجراء شكلي محض بمعنى انه يمكن لمجلس الوزراء الاخذ برأيه من دون أن يكون مُلزماً بذلك. الا انه وطوال الاعوام السابقة كان حاكم مصرف لبنان يتلقى الاسماء المفترض تعيينها من الاحزاب السياسية، والامر سيان بالنسبة الى تعيين أعضاء مجالس “انترا للاستثمار”، والـ”MEA” و”كازينو لبنان” وكلها مملوكة من المركزي بشكل مباشر او غير مباشر).

في الواقع، يشكل تعيين أربعة نواب لتولي مهمة “مساعدة” الحاكم نوعاً من أنواع التنفيعات الطائفية ففي كل البنوك المركزية في العالم، يتولى شخص واحد منصب نائب الحاكم، فيما يتم تعيين نائبين اثنين في دول معدودة. وحده لبنان يشذّ عن هذه القاعدة لتشكل هذه المراكز الاربعة “مجلساً ملّيّاً” هو نتيجة للاحتكار الطائفي، بغضّ النظر عن مسألة الكفاءة أو الاستقلالية (التي يتمتّع بها بعضهم في مرحلة ما)، ما يستدعي إعادة النظر في هذا العدد الذي لا ضرورة له.

حتى الساعة لا يزال الاهتمام منصباً على نواب الحاكم من دون ايلاء اهتمام علني لمركز مفوّض الحكومة لدى المصرف المركزي الذي تعطّل دوره منذ التسعينات والذي تعطيه المادة 41 من قانون النقد والتسليف صلاحية السهر على تطبيق هذا القانون، والاهم من ذلك، مراقبة “محاسبة مصرف لبنان”.

إنّ تعطيل هذا الدور لغاية اليوم دليل واضح على ان الحكومات المتعاقبة هي من فوّضت الحاكم بإغراق الاقتصاد والمالية العامة ليتصرف كما يشاء بشرط واحد أوحد: تثبيت سعر الصرف، الذي أثبت فشله.

مصدرإيفون أنور صعيبي - نداء الوطن
المادة السابقة“آبل” تطلق موقعًا إلكترونيًا وتطبيقًا لتشخيص أعراض “كورونا”
المقالة القادمةبقيمة 2.2 تريليون دولار..مجلس النواب الأميركي يقر أضخم حزمة تحفيز