تتجه أنظار المستثمرين وأصحاب الأعمال إلى النسخة الجديدة من دافوس الصحراء، بعدما تحولت إلى أحد أبرز المنصات السنوية الرئيسية للسعودية، التي تراهن عليها لاستكمال خططها المتعلقة بدفع مجال الاستثمار، بينما تحث حكومتها الخطى لمواصلة أكبر برنامج إصلاح في تاريخها.
تستعد مؤسسات تمويل عالمية للتوافد على مبادرة مستقبل الاستثمار السنوي في السعودية التي تنعقد الأسبوع المقبل وسط إجراءات تتبناها الحكومة لتوفير النفقات وتصاعد الصراع الإقليمي في المنطقة، وهي أمور قد تلقي بظلالها على نتائج أعمال المؤتمر.
ويحضر المؤتمر الذي ينطلق الثلاثاء ويستمر لمدة ثلاثة أيام في الرياض مجموعة من كبار الرؤساء التنفيذيين منهم ديفيد سولومون من غولدمان ساكس ولاري فينك من بلاك روك وجين فريزر من سيتي غروب وجوليا هوجيت من مجموعة بورصات لندن.
وتنعقد الفعالية البارزة، التي أقيمت لأول مرة في 2017، في فندق فخم في عاصمة أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم، بهدف الترويج للأجندة الاقتصادية الطموحة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وإظهار نفوذ البلد في الاقتصاد العالمي.
ومن المرجح أن تتأثر النسخة الثامنة من المؤتمر بمخاوف جيوسياسية تتعلق بالصراع في الشرق الأوسط، والذي يهدد منشآت النفط في المنطقة، وإجراءات تقشف تبنتها المملكة فضلا عن تباطؤ نموها الاقتصادي.
ويترأس المؤتمر ياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي) الذي تبلغ قيمة أصوله نحو تريليون دولار، وهو فرصة للرياض لجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم الإصلاحات الاقتصادية الهائلة في إطار رؤية 2030.
ولكن المؤتمر في نظر العديد من الحاضرين هو فرصة أيضا للفوز بأموال الاستثمارات التي تخصصها الحكومة السعودية لمشاريعها الطموحة.
وقال ماريوس فيغانتاس، مؤسس شركة سولينغ بارتنرز التي تقدم الاستشارات حول الشرق الأوسط للشركات العالمية المتخصصة في إدارة الأصول، “يعيد العديد من المديرين النظر في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار”.
وأضاف لرويترز “لقد أخبرتهم السعودية بوضوح: نحن نعلم أنكم تريدون أموالنا، ولكن كيف ستشاركون في مستقبلنا؟ معظم المديرين ليست لديهم إجابة على هذا السؤال”.
وسبق أن طغت الأحداث الجيوسياسية على القمة في السابق. ففي 2023، عقد المؤتمر بعد أسابيع من هجوم حماس على بلدات في جنوب إسرائيل، وهو ما تسبب في حرب انتقامية خلفت دمارا واسعا في قطاع غزة، الذي تحكمه الحركة الفلسطينية المسلحة.
وينظر العديد من الزعماء العالميين إلى الأمير محمد بن سلمان باعتباره شريكا رئيسيا. وحضر في وقت سابق من هذا الشهر أول قمة للاتحاد الأوروبي مع دول الخليج.
وفي العام الماضي، أُبرمت صفقات بقيمة 17.9 مليار دولار في دافوس الصحراء، وفقا لوكالة الأنباء السعودية الرسمية. ويقول المنظمون إنهم يتوقعون الإعلان عن صفقات بقيمة 28 مليار دولار هذا العام.
وفي هذا العام، يستضيف المنتدى “قمة أفريقيا الجديدة” بمشاركة متحدثين من قطاعي التعدين والبنوك في القارة. وتزايد دخول دول الخليج السباق على المعادن الحيوية في أفريقيا في إطار سعيها إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط.
وتعتمد رؤية 2030، التي يقودها ولي العهد السعودي وتستهدف إنهاء اعتماد بلده على النفط، على مئات المليارات من الدولارات لتطوير قطاعات جديدة وتدفق إيرادات أكثر استدامة، مع توسيع القطاع الخاص وخلق فرص عمل.
وقال جيم كرين، الباحث في معهد بيكر التابع لجامعة رايس في هيوستن، إن “السعوديين يعطون الأولوية للاستثمار المحلي على أي شيء آخر تقريبا. ولكي تنجح مجموعة مشاريع رؤية 2030، سيحتاج السعوديون حقا إلى مستثمرين أجانب ليأتوا ويساهموا”.
وتستهدف الحكومة جذب 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر بحلول عام 2030، أي نحو 6 في المئة من الإنتاج المحلي الإجمالي.
ويشهد الاستثمار الأجنبي المباشر اتجاها تصاعديا، لكن في منتصف الطريق نحو تحقيق رؤية 2030، تشير أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أنه قد تكون هناك صعوبات أمام بلوغ هذا الهدف بحلول نهاية العقد الجاري.
واجتذبت السعودية تدفقات استثمار أجنبي مباشر بقيمة 25.6 مليار دولار في العام الماضي متجاوزة الأهداف الرسمية، وذلك وفقا لبيانات حكومية تستند إلى منهجية جديدة لاحتساب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وطبقت الحكومة العام الماضي منهجية جديدة لجمع ورصد بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر، في محاولة لتعزيز شفافية ودقة الإحصاءات المنشورة.
وبحسب وزارة الاستثمار، فقد جاءت التدفقات المباشرة الفعلية العام الماضي أعلى بواقع 16 في المئة عن المستهدف البالغ 83 مليار ريال (22.1 مليار دولار) في الإستراتيجية الوطنية للاستثمار، وبما يعادل 2.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وارتفعت التدفقات 50 في المئة بمقارنة سنوية، بعد استبعاد صفقة شبكة أنابيب أرامكو الاستثنائية التي قدرت قيمتها بنحو 14.67 مليار دولار في عام 2022.
وبلغ إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في السوق المحلية 239.2 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وهو ما يمثل 22.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبزيادة 13 في المئة عن العام السابق.
وأظهر تقرير حديث لوزارة الاستثمار أن قطاعات التصنيع والتمويل والتأمين والبناء وتجارة الجملة والتجزئة كانت أبرز قطاعات الجذب للاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي، إذ شكلت 78 في المئة من إجمالي تدفقاته في عام 2023.
وتقول الحكومة إنها ستحدّث قوانين الاستثمار الحالية في محاولة لتعزيز الشفافية وتكافؤ المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب.
ولصندوق الثروة دور محوري في الأجندة الاقتصادية، إذ انخرط في شراكات عالمية لبناء مشاريع ضخمة مثل نيوم ومواقع سياحية شديدة الترف تضطلع بها شركة البحر الأحمر الدولية، ومدينة القدية الترفيهية جنوب غرب الرياض.
لكن وسط انخفاض أسعار وإنتاج النفط الذي أدى إلى تقلص عائدات الحكومة، بدأت الرياض مراجعة للإنفاق سيتم بموجبها تأجيل بعض المشاريع أو تقليصها، وإعطاء الأولوية لبعضها الآخر.
وأدى هذا إلى زيادة الضغوط على الصناديق الدولية، التي كانت تتطلع إلى السعودية للحصول على أموال للاستثمار في أماكن أخرى، لتخصيص مليارات الدولارات للتحول المحلي.
ووافقت شركة بلاك روك هذا العام على إنشاء منصة استثمارية متعددة الأصول في الرياض، مدعومة باستثمار بقيمة خمسة مليارات دولار من صندوق الثروة السيادية.