كَثر الحديث في الأشهر الماضية عن ضرورة التوجّه مباشرة الى دعم الأسر الأكثر حاجة أو فقراً، بدلاً من هدر احتياطي مصرف لبنان في دعم السلّة الغذائية والمواد الأساسية التي يستفيد منها الأثرياء والتجّار والمهرّبون الى خارج البلاد ليستفيد منها السوريون أيضاً.
البطاقة التموينية التي كادت أن تكون مشروعاً جدّياً، تمّ وضع حدّ لها نظراً الى تباين الآراء بين مؤيّدة ومعارضة، فضلاً عن كيفية الحصول على أسماء وارقام الفقراء.
أما اليوم وقد شارف احتياطي مصرف لبنان على النفاد، ويتم التداول في موضوع المسّ بالإحتياطي الإلزامي وهو عبارة عن اموال المودعين، أو رفع الدعم أو ترشيده، عاد التلميح مجدداً الى إمكانية العمل مجدداً بالبطاقة، علّها تكون الخيار “الأحلى” لأزمتنا المالية والإقتصادية “المرّة”.
لكن كيف يمكن الحصول على داتا المعلومات الشافية عن الأفراد الأكثر حاجة، فهل هي متوفّرة لدى وزارة الشؤون الإجتماعية والضمان الإجتماعي، وهل تكفي من الجهتين المذكورتين لتحقيق العدالة الإجتماعية ولمنح البطاقة التموينية للأفراد الذين يستحقّونها ويحتاجونها فعلاً؟
مدير عام صندوق الضمان الإجتماعي د.محمد كركي أكّد أنه “تتوفّر لدى الصندوق المعلومات الدقيقة ولديه لوائح بالأسماء”. وكشف لـ”نداء الوطن” أن “الدعم المباشر في حال اعتمد يجب ان يطاول نسبة 50% من أجراء لبنان المصرّح عنهم لدى الضمان الإجتماعي في العام 2017، باعتبارهم يتقاضون رواتب تقلّ عن مليون و 100 ألف ليرة”.
وفي التفاصيل أوضح أن “نسبة 16.5% من الأجراء المسجلين بالضمان الإجتماعي والبالغ عددهم 422 ألفاً، يتقاضون شهرياً راتباً دون الحدّ الأدنى وهو 675 ألف ليرة . أما نسبة 21% من المستخدمين المسجلين أيضاً، فيتقاضون شهرياً رواتب تتراوح بين الـ675 ألفاً و الـ900 ألف ليرة .
وأضاف :”كما أن هناك نسبة 12% من الأجراء يتراوح راتبهم الشهري بين الـ900 ألف ليرة و مليون و100 ألف ليرة” .
واكّد أن “الإحصاءات التي لدينا دقيقة وتمّ إدراجها في السجلات الكترونياً، وهي ترتكز على التصاريح الإسمية السنوية التي أعادتها المؤسسات الى الضمان، باعتبار أن هناك مؤسسات لا تعيد تلك التصاريح الى إدارة الضمان الإجتماعي، وبالتالي لا نعلم قيمة الرواتب التي سدّدت لمستخدمي تلك المؤسسات”. وذكّر هنا “أنه يوم تمّ إقرار المساعدة للسائقين العموميين زوّدنا الدولة بالأسماء والمعلومات التي لدينا والتي كانت دقيقة بدورها”.
وحول جدوى البطاقة التموينية تلك، اعتبر كركي أن “اعتماد البطاقة التموينية يعود الى سياسة الدولة ووزارات الإقتصاد والمالية والشؤون الإجتماعية، اذ لدى الأخيرة نتائج مسح العائلات الأكثر فقراً، فضلاً عن حاكمية مصرف لبنان والدولة اللبنانية”، مؤيّداً “مساعدة الطبقات الأكثر فقراً، الذين يستحقون ذلك خصوصاً الذين ليس لديهم وظيفة”.
تفاوت الآراء
وتتفاوت آراء الخبراء والماليين حول جدوى البطاقة التموينية، اذ يعتبر وزير الاقتصاد والتجارة الأسبق والنائب الأول الأسبق لحاكم مصرف لبنان ناصر السعيدي، أن “البطاقة التموينية وسيلة غير مجدية كونها عرضة للتزوير وستستفيد منها الأحزاب وأصحاب النفوذ وغيرهم، واقترح كبديل عنها “إعطاء اللبنانيين بطاقة الكترونية ذكية، أو دعمهم عبر تطبيق على الخلوي باعتبارها الطريقة الفضلى لدى البنك الدولي كونها تحول دون تعرضها للسرقة”.
من جهته أيّد الخبير الإقتصادي والمالي وليد أبو سليمان في حديث الى “نداء الوطن” فكرة البطاقة التموينية، رغم ان “تطبيقها قد يستغرق الوقت” كما قال.
وحول إمكانية توفّر لوائح الأشخاص الأكثر حاجة ليصار الى توفير الدعم لهم، اعتبر أبو سليمان أن “إحصاء الأسر الأكثر فقراً يجب ان يتمّ بالتعاون مع البنك الدولي الذي أقام مسحاً للأسر الأكثر فقراً في لبنان، بغية إضافتها الى المعلومات الموثوقة التي يمكن الحصول عليها من الضمان الإجتماعي، باعتبار أن هناك مؤسسات عدة صرفت موظفين لديها، كما أن هنالك شركات اخرى أقفلت ابوابها ولم تعد تسدّد إشتراكات الضمان، علماً أن هناك عمالة لا يلحظها الضمان، مثل المياومين، فهؤلاء يعملون يومياً ويحتاجون أيضاً الى المساعدة”.
اذاً تعدّدت “الروايات” الطويلة الأمد حول الحلول التي يمكن طرحها لتلافي استنزاف الإحتياطي الإلزامي، فيما الدولة المفلسة وغير المجدية تتفرّج وتتقاعس عن القيام بواجبها في الدعم وتوفير الأموال للبنانيين وإعداد خطة إصلاحية للسير على أساسها. إلا أن النتيجة تبقى واحدة: لا حلول إنقاذية تدخل فعلياً حيّز التطبيق، وكأن شيئاً لم يكن، في حين أن المجتمع الغربي يجتمع في باريس، ويجهد لتقديم المساعدات المادية الى بلد يحتضر، مسؤولوه غارقون في تقاسم قالب الجبنة.