روسيا تسد منافذ مغادرة الشركات الغربية لأسواقها

قدمت روسيا قانونا يسمح لها بالسيطرة على الكيانات المحلية التابعة للشركات الغربية التي قررت المغادرة عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، مما يزيد المخاطر على الشركات متعددة الجنسيات التي تحاول الخروج.

وسيمنح القانون، الذي قد يتم تطبيقه في غضون أسابيع، موسكو سلطات واسعة للتدخل عندما يكون هناك تهديد للوظائف أو الصناعة المحلية، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة على الشركات الغربية لتفكيك نفسها بسرعة ما لم تكن مستعدة لتلقي ضربة مالية كبيرة.

وهذا التحرك يأتي بينما يغرق الاقتصاد الروسي، الذي يزداد انقطاعا عن الأسواق الدولية بسبب العقوبات الغربية، في ركود وسط تفاقم التضخم رغم مكابرة المسؤولين بأن المؤشرات في تحسن بعد سلسلة من الإجراءات، من بينها دعم الاحتياطي النقدي وتقوية الروبل.

وجاء قانون الاستيلاء على ممتلكات المستثمرين الأجانب بعد هجرة جماعية للشركات الغربية، مثل ستاربكس وماكدونالدز ومصنع الجعة أي.بي إنبيف، ويزيد من الضغط على تلك الشركات التي ما زالت موجودة.

ويواجه بنكا يونيكريدت الإيطالي ورايفايزن النمساوي وشركة إيكيا، أكبر علامة تجارية للأثاث في العالم، وسلسلة الوجبات السريعة بيرغر كينغ والمئات من الشركات الأصغر التي لا تزال لديها أعمال في روسيا هذا الخط الأكثر صرامة منذ أواخر فبراير الماضي.

وبينما أكدت إيكيا، التي أوقفت مؤقتا جميع عملياتها في روسيا، لوكالة روتيرز أنها تتابع عن كثب هذا الأمر قال رايفايزن إنه يقوم بتقييم جميع الخيارات، بما في ذلك الخروج المُدار بعناية، فيما امتنع يونيكريدت عن التعليق ولم تعلق بيرغر كينغ عن ذلك.

وكانت شركات أميركية، من بينها إكسون موبيل وبوينغ وفورد وجنرال موتورز وأبل وفيزا وماستركارد، قد أعلنت مؤخرا ابتعادها عن السوق الروسية جراء الحظر المفروض من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على موسكو.

ويمهد مشروع القانون الطريق لروسيا لتعيين إداريين على الشركات المملوكة للأجانب في البلدان “غير الصديقة”، الذين يريدون الانسحاب من روسيا حيث يتسبب الصراع مع أوكرانيا في تدهور اقتصادها.

واقترحت المفوضية الأوروبية تشديد موقفها الأربعاء الماضي لجعل خرق عقوبات الاتحاد ضد روسيا جريمة، مما يسمح لحكومات الدول الأعضاء بمصادرة أصول الشركات والأفراد الذين يتهربون من القيود.

وفي خطوة قد تدفع موسكو إلى حافة التخلف عن السداد، أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تمدد آجال دفع الاستحقاقات لحاملي سنداتها.

وأثار رحيل الشركات الغربية غضب السياسيين الروس. وكان الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن، من أشد المنتقدين للكيانات المغادرة. وقال إنها هاجمت “الأعداء الذين يحاولون الآن تقييد تنميتنا وإفساد حياتنا”.

ويرى سيرجي سوخانوف، المحامي في شركة آر.أس.بي الدولية الاستشارية لإدارة المخاطر والامتثال، أن الحكومة الروسية مهتمة بالحفاظ على الوظائف وعائدات الضرائب.

ونسبت وكالة رويترز إلى سوخانوف قوله “أولا وقبل كل شيء، ستطبق الحكومة القواعد على الشركات الكبرى. ولتجنب المسؤولية يجب على الشركات أن تثبت أنها لا تترك أعمالها الروسية في وضع صعب”.

ويضع القانون مجموعة واسعة من معايير التدخل، وذلك مثلا عندما تلعب الشركة دورا مهما كصاحب عمل محلي أو تقدم خدمات مهمة، مما يعطي للسلطات تبريرات للسيطرة على تلك الكيانات.

وأكد أولف شنايدر، وهو مستشار يعمل مع شركات ألمانية في روسيا، أنه يعمل مع آخرين على التوصل إلى مقترحات للسماح للشركات الأجنبية بتسليم السيطرة طواعية إلى وصي من اختيارها.

وربما يقنع ذلك روسيا بأنهم يتحملون المسؤولية، بينما يبعدون في الوقت ذاته ذلك الوضع عن أنفسهم. وقال شنايدر وهو خبير في مجموعة بي.في.أم.دبليو الصناعية الألمانية متوسطة الحجم المعروفة باسم “ميتلستاند” إن “البيع خيار لكن شروط البيع ليست جيدة”.

ويحدد مشروع القانون إمكانية تعيين روسيا مسؤولاً في الشركات التي يكون 25 في المئة على الأقل من أسهمها في أيد أجنبية “غير ودية”.

ويستشهد مشروع القانون بمثال الشركات التي تصنع الأجهزة الطبية، لكنه يسرد أيضا مجموعة من القطاعات الأخرى، مثل النقل والطاقة، بالإضافة إلى أي شركة قد يؤدي إغلاقها إلى ارتفاع أسعار المتاجر.

كما سيتم السماح للمسؤول المعين من قبل الدولة ببيع الأعمال المصادرة، بينما سيتم منع أصحابها السابقين من ممارسة الأعمال التجارية في روسيا.

ويمكن أن تقرر محكمة أو وزارة التنمية الاقتصادية تعيين مسؤول، مثل بنك التنمية الروسي (في.إي.بي)، لتولي إدارة أي كيان سيتم منعه من التخارج من السوق المحلية.

وأقر مشروع القانون قراءته الأولى في البرلمان (الدوما)، في وقت سابق هذا الأسبوع، لكنه لا يزال يواجه قراءتين أخريين ومراجعة مجلس الشيوخ قبل أن يوقعه الرئيس فلاديمير بوتين ليصبح نافذا. ويعتقد خبراء أن ذلك قد يستغرق عدة أسابيع.

وقالت وزارة الاقتصاد الروسية إنها لن تستهدف الشركات الأجنبية إلا في “الحالات الحرجة” حيث يكون من الضروري حماية الإنتاج أو الوظائف.

وأعلنت العشرات من الشركات الأجنبية إغلاقا مؤقتا للمتاجر والمصانع في روسيا. وقال مايكل لوي من اتحاد الصناعات النمساوية إن “روسيا كانت معزولة بالفعل ولم تعد موضع اهتمام المستثمرين”. وأضاف “هذا القانون لا يمكن إلا أن يزيد الطين بلة”.

ويقوض التضخم القياسي الذي بلغ بنهاية الشهر الماضي نحو 17.8 في المئة، وهو رقم قياسي في عقدين، وزيادة اللجوء إلى البطالة الجزئية بهدف تجنب تسريح العمال، القوة الشرائية للروس في حين أن معدل الادخار لديهم منخفض.

ومع ذلك، أكد بوتين خلال اجتماع مع مجلس الدولة الأربعاء الماضي أنه “وفقا للخبراء، فإن نمو التضخم تباطأ ولن يتجاوز 15 في المئة بنهاية 2022”.

كما وعد بزيادة الحد الأدنى الاجتماعي اعتبارا من يونيو المقبل، حيث سيزداد الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 في المئة إلى 15.2 ألف روبل (255.7 دولار وفق المعدل الحالي).

وترجح الحكومة الروسية حصول انكماش في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 7.8 و8.8 في المئة هذا العام، في حين أن البنك المركزي يبدو أكثر تشاؤما إذ يتوقع تأرجح انخفاض النمو بين 8 و10 في المئة.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالمتغيرات العالمية الجديدة تتطلب مواجهة غير تقليدية من الحكومات
المقالة القادمةعاصفة الدولار تقفل البلد: دور المصارف ويدها بإثارة الفوضى