زراعات عديدة أفلت وأخرى ستلحق بها بعدما تخلّت الدولة عن دعمها أو عن بذل أبسط جهد ممكن لمعالجة مشاكلها. بعد الشمندر السكري وإقفال معمله في البقاع، خفت وهج زراعة التبغ بعدما أصبح الفارق خيالياً بين كلفة زراعته ومردودها شبه المعدوم. في العاشر من الجاري، يُفترض أن يبدأ مزارعو التبغ في البقاع تسليم «طرود التبغ المكبوس» إلى إدارة الريجي في بعلبك. اللافت أنه من بين 5500 حامل رخصة، لم «يرقّم» (تسجيل أسماء المزارعين الذين ينوون تسليم إنتاجهم من التبغ) إلا 25% فقط منهم. علماً أن نسبة التسليم في المواسم الماضية لم تقلّ عن 100%.
لدى مزارعي التبغ أسباب كثيرة للتخلي عن هذه الزراعة، وحتى بيع رخصة زراعتها، بعدما «صار فينا متل اللي عم يضحك على حالو. المزارع يتعب 14 شهراً، وعندما يأتي وقت الغلة يدفعها للعمال السوريين وتجار الأدوية الزراعية والكيماوية ويستدين لتسديد بقية الأكلاف» بحسب أحد المزارعين علي حمية. ومعلوم أن زراعة التبغ من الزراعات التي تتطلّب مجهوداً كبيراً للعناية بالشتلة وقطفها وحفظها، فضلاً عن كلفتها الكبيرة التي تبدأ بالشتول والأدوية والكيماويات، وصولاً إلى القطاف والشك بالخيطان والترطيب والكبس في طرود أكياس الخيش تمهيداً لنقلها إلى الريجي وتسليمها.
«بالقلم والورقة»، تُجمع غالبية مزارعي التبغ على أن كلفة الزراعة زادت بنحو 500% عن الأعوام السابقة، بدءاً من ضمان الأرض الذي ارتفع من 50 ألف ليرة للدونم إلى 250 ألفاً، وحراثتها التي ارتفعت من 60 ألف ليرة إلى 250 ألفاً، وزاد سعر «قفص» شتل التبغ من 4000 إلى 12000 (يحتاج الدونم إلى ما بين 10 و15 قفصاً). أما «المصيبة الكبرى» فهي في سعر المازوت الذي يُستخدم للريّ ولتبريد شتلة التبغ صيفاً. و«بالأخير تتسلّم الريجي الكيلو بـ 30 ألف ليرة. يتحدثون عن زيادة تتفاوت بين 150% و180%، لكنّ المبلغ المرصود لتسليم التبغ ثابت، ما يعني أن الأسعار ستُراوح بين مزارع وآخر بحسب النوعية»، وفق حمية.
بعض المزارعين كانوا يعمدون إلى رشّ حقول التبغ بكيماويات من نوع «يوريا 46»، بهدف زيادة الإنتاج العادي من خمسة أطنان إلى ثمانية أطنان، ما يزيد هامش ربحهم. إلا أن ارتفاع أسعار طن الـ«يوريا 46» إلى أكثر من 600 دولار يجعل كلفة الرش أعلى من سعر رخصة التبغ كلها.
مشكلة أخرى لم يواجهها المزارعون سابقاً تتمثّل في «ندرة» العمالة السورية التي تشكل ركناً أساسياً في كل مراحل زراعة التبغ البقاعي رغم ارتفاع أجورها. يقول المزارع محمد زعيتر إنه رغم زيادة بدل «شك الخيط» من 1000 ليرة إلى 6000، ورفع بدل كبس الطرود إلى 130 ألف ليرة، زيادة أجور الغرس والتعشيب والقطاف، «منذ عامين نشهد عزوف العائلات السورية عن العمل في زراعة الدخان وغيره بسبب المساعدات المالية والعينية من الأمم المتحدة والجمعيات»، إضافة إلى إغراءات العمل في زراعة الحشيشة، إذ إن «ساعة العمل في الدخان 6000 ليرة، في حين أنها 20 ألف ليرة في تصنيع الحشيشة مع الأكل والشرب والتدفئة».