اما وقد نال موظفو القطاع العام حقوقهم وعادوا الى العمل بعد حوالى الاسبوع من تعطيل الادارات ومصالح الناس والخسائر التي تكبدوها مع توقف ايرادات الخزينة اللبنانية ، لا يمكن ان يكون المواطن دائما ضحية التجاذبات السياسية والاجتماعية وان يكون اداة ضاغطة لتنفيذ المطالب التي يطالب بها المعنيون بها حتى ولو كانت الدولة غير قادرة على تنفيذها او لا تملك الاموال الكافية لتحقيقها او انها قادرة وغير مستعدة لتلبيتها، او ان يكون هذا المواطن “مكسر عصا” لكل واحد يريد تحقيق مطالبه فيلجأ الى “بل يديه به”.
يعمد المطالبون بمطالبهم احيانا كثيرة الى الضغط على الدولة من خلال الضغط على المواطنين والبرهان على ذلك ان اصحاب الحقوق وحقوقهم محقة ، ولا احد ينكر ذلك لان الرواتب خصوصا لموظفي القطاع العام لا تكفيهم لعشرة ايام لكن ما ليس مقبولا ان يعمد هؤلاء الى الضغط على الدولة من خلال ممارسة الضغوط على المواطنين وقد تجلى اضرابهم عن العمل باعلان نقابات الافران والمخابز ان الاضراب المفتوح بدأ يؤثر سلبا في الدورة الاقتصادية مما يحمل المستوردين والتجار اعباء اضافية مالية كبيرة سيتحملها في النهاية المستهلك اللبناني، كما بالنسبة لتوزيع المحروقات حيث لم يصدر جدول تركيب الاسعار الا بعد تدخل من المعنيين لان بوادر ازمة بنزين بدأت تلوح في الافق بعدما سارع البعض من المواطنين الى ملء خزاناتهم بعد ان اكتفوا سابقا بالوقوف صفوفا طويلة امام محطات المحروقات. وكذلك الامر بالنسبة للسلع المستوردة التي توقف ادخالها من مرفأ بيروت فطرح الصوت نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي وهو الذي كان حذر من كارثة من جراء تكدس الحاويات في مرفأ بيروت بعد رفض موظفي وزارتي الزراعة والاقتصاد امرارها بسبب الاضراب الذي كانوا ينفذونه.
فقد لفت بحصلي الى ان “المواد الغذائية المستوردة تذهب إلى بورة الكشف لأخذ عينات منها”، وان “بورة الكشف تستوعب 500 حاوية، لكن في الوقت الحالي هناك 582 حاوية أي هناك 82 حاوية إضافية”.
وقال: “من ضمن الـ582 حاوية، يوجد 181 للتحليل في وزارة الزراعة، وهناك 173 حاوية لوزارة الاقتصاد والتجارة، و14 حاوية لمعهد البحوث الصناعية و94 حاوية لتحاليل أخرى. وفي حال كان الموظفون موجودين اليوم وبدؤوا بالعمل، لن يستطيعوا إنجاز سوى 70 حاوية في اليوم. علماً انه يصل كل يوم 250 حاوية جديدة الى الباحة الرئيسية لم تُطلب على الكشف”. ولو استمر الاضراب اكثر من ذلك لتضررت البضائع المستوردة وتراجع الاستهلاك اليومي وارتفعت الخسائر التي يتحملها المستهلك وحده دون غيره اي بمعنى انه باضراب او بدونه الضحية هو الواطن .
مصدر مالي مطلع يؤكد ان المواطن هو الذي يدفع الزيادات التي تطرأ على الرواتب والاجور وحتى انه هو الذي يدفع التحفيزات او الخدمات التي يدفع رسومها وضرائبها بدليل ان “النافعة “عمدت الى اضافة بدل خدمات جديدة يتحملها المواطن ورغم ذلك يلاحظ ان هذه المصلحة لا تسير كما يجب بل الجميع يعاني من عدم قدرتها على تلبية الطلبات مع العلم انها تدر مليارات من الليرات لمصلحة الخزينة وقد تم استحداث منصة للولوج الى النافعة من اجل تجديد او تسجيل او غيره لكن يلاحظ ان هذه المنصة اصبحت لزوم ما لا يلزم اذ يتكاثر معقبو المعاملات لانجاز معاملات المواطنين بينما كانت المنصة لمنع هؤلاء من التدخل ومن يزر النافعة اليوم يلحظ المواطنين الذين لا يعتمدون المنصة ويفضلون انجاز معاملاتهم عبر انفسهم او عبر المعقبين، وكذلك الامر بالنسبة للدائرة العقارية في جبل لبنان التي ما تزال مقفلة رغم انها احدى المؤسسات الاساسية لرفد الموازنة بالايرادات .
احيانا كثيرة يلجأ المطالبون بحقوقهم الى قطع الطرقات ليس على المسؤولين الذين هم سبب العلة واليهم توجه المطالب بل على المواطنين الذين يكافحون في سبيل تأمين لقمة عيشهم .
رب قائل ان هذه الدولة لا تفهم سوى هذه اللغة وان المطالب لا تتحقق الا بالضغط على المواطن وعلى خزينتها ولكن اليس هناك من وسائل اخرى للمطالبة بالحقوق ؟
تؤكد المصادر المالية ان معالجة الموضوع بزيادات عشوائية دون اعادة هيكلة القطاع العام وترشيقه سيؤدي الى استمرار لحس المبرد والى مزيد من التضخم وزيادة عدد العاطلين من العمل والضغط على الليرة اللبنانية والى زيادة الضرائب والرسوم والى تفاوت في العدالة بين موظفي القطاع العام والخاص، مبدية تخوفها من ان يكون مصير هذه الزيادات كمصير سلسلة الرتب والرواتب حيث ادت الى وصول البلد الى قعر القعر.
وقد قدرت الكلفة الاجمالية لهذه الزيارات بنحو 3000 مليار ليرة شهريا وبالتالي ستحتاج الحكومة الى الطلب بفتح اعتماد اضافي لتغطية هذه الزيادات وهذا يعني فرض المزيد من الضرائب على المواطنين وهذا يعني الدوران في حلقة مفرغة.