زيادة الأجور… المستحيلة

رفع موظفو القطاع العام “العشرة”، أمام التهديد بـ”قتلهم” على البطيء بانهيار القدرة الشرائية للرواتب والأجور. الإنخفاض التدريجي في قيمة العملة من 1558 في آب 2019، إلى 23 ألف ليرة في تموز 2021 إنتزع من الموظفين أبسط حقوقهم بالعيش الكريم. فمع كل انخفاض في قيمة الليرة، كانت رواتبهم تتآكل أكثر، حتى أصبحت تتراوح اليوم بين 51 و300 دولار.

تفيد رئيسة “رابطة موظفي الإدارة العامة” نوال نصر أن “المعدل الوسطي لرواتب موظفي القطاع العام هو 2 مليون ليرة، أو ما يعني 109 دولارات بأسعار صرف اليوم. ذلك أنه باستثناء فئة المدراء العامين الذين يشكلون نسبة قليلة من أعداد الموظفين، فان شريحة واسعة من الأجراء والفئات الدنيا تتقاضى 1.5 مليون ليرة”. هذا الواقع الذي يجتزئ 950 دولاراً من كل 1000 دولار يتقاضاها الموظف، تصفه نصر بـ”جريمة سرقة”. وهو يتطلب قبل إعادة الحقوق إلى أصحابها والتعويض على المتضررين، معاقبة ومحاسبة المسببين.

مطالب الموظفين المحقة بزيادة الرواتب، تصطدم برأي الخبراء بـ”تسونامي” تضخمية تجرف مفاعيلها بفترة قياسية. والدليل الأبرز ما جرى لسلسلة الرتب والرواتب التي أقرت قبل 3 سنوات. فـ”من حقنا الإنساني جميعاً، موظفين ومحدودي دخل، المطالبة بزيادة الأجور والرواتب”، تقول الباحثة الإقتصادية د.ليال منصور. ولكن بيت القصيد ليس هنا، إنما هو في مفعول هذه الزيادة على القدرة الشرائية أولاً، والإقتصاد ثانياً.

فالزيادة من هذه الزاوية قد تسكّن “وجع” الموظفين، إلا أنها ستساهم بقتل الإقتصاد بعد فترة وجيزة. فالدولة عاجزة. والإيرادات متراجعة بنسبة 8 في المئة. وحجم الدين إلى الناتج المحلي على ارتفاع. والانتاجية شبه معدومة. واحتياطي العملات الاجنبية سلبي والقطاعات العامة تتوقف الواحد تلو الآخر. والثقة غائبة… من هنا فان الطريقة الوحيدة لتسديد الزيادات ستكون من خلال طبع المزيد من الأموال وتوسّع الكتلة النقدية بمعناها الضيق M1 إلى مستويات خيالية.

“توقيف مطبعة النقود”، تقول منصور. والإنتقال إلى تبني نظام سعر صرف جديد يقوم على “مجلس تثبيت القطع” CURRENCY BOARD. أو دولرة الإقتصاد بشكل كلي. طرح “مجلس تثبيت القطع” الذي لم تكن لتتبناه منصور قبل عدة سنوات تقول إنه “أصبح الخيار الوحيد أمامنا اليوم في ظل تجمع العوامل النقدية والإقتصادية السلبية”.

بغض النظر عن القدرة المفقودة على الإصلاح الإداري طوعاً، ومساهمة هذه الإجراءات على أرض الواقع في تمويل كلفة زيادة الرواتب غير المحتسبة بعد، تعتبر منصور أنه “بغض النظر عن مصدر أو كيفية تأمين الأموال لزيادة رواتب موظفي الدولة البالغ عددهم 320 ألفاً فان هذا يعني “عدم وجود نية للإصلاح”. ولا يمكن من وجهة نظرها أخذ متغيري الموظفين وزيادة الرواتب فقط في الحسبان لتحسين الوضع المعيشي، إنما يجب أخذ بقية المتغيرات الاقتصادية بالاعتبار أيضاً. وإلا فان النتيجة ستكون وقوع الاقتصاد ضحية السياسات الشعبوية مرة جديدة.

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةمشروع ميقاتي: تفاوض لا اتفاق مع صندوق النقد؟
المقالة القادمةالدولة “كوما” والطوافات “خردة” والتصحّر آتٍ آتٍ آتٍ