اتسع نطاق حالة التذمر الشعبي وانتقادات أوساط الخبراء في لبنان التي تحذر من تداعيات عكسية على الاقتصاد المنهار أصلا جراء اعتماد سعر جديد للدولار الجمركي.
وتسود نقاشات واسعة خلال هذه الفترة بعدما عمقت السلطات من أوجاع أوساط التجار والمستوردين عندما قررت قبل أسبوع اتخاذ هذا القرار المثير للجدل.
ورفعت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي الثلاثاء الماضي قيمة الدولار الجمركي إلى نحو 20 ألف ليرة، أي بزيادة تقدر بأكثر من ثلاثة عشر ضعفا، بعد أن كان قبل الأزمة الاقتصادية محددا بسعر 1500 ليرة.
ويقول صناع القرار السياسي والاقتصادي إن الهدف من هذه الخطوة التي تأتي في وقت حساس بينما تسعى بيروت للحصول على خط ائتمان من صندوق النقد الدولي يتمثل في زيادة واردات الخزينة.
وأكد المسؤولون عقب اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي أن الدولار الجمركي لن يكون له أي تأثير على الطبقة الفقيرة التي تعاني من تدهور شديد في قدرتها الشرائية وتجد نفسها محاصرة بغلاء جنوني في الأسعار وعدم القدرة على السحب من البنوك.
ولكن خبراء اقتصاد يعتقدون أن ما يجري من شأنه أن يؤدي إلى زيادات ضريبية وسط حالة الاحتكارات التجارية، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر وحتمي على الاقتصاد المشلول.
كما أن هذا الإجراء سيؤدي إلى تقلص تدريجي للواردات، وهو ما سيدفع ثمنه المواطنون من خلال التضخم المفرط، ناهيك عن الاستفادة المباشرة للاقتصاد الموازي.
ووفق البيانات الرسمية تبلغ نسبة أسعار الاستهلاك أكثر بقليل من 210 في المئة، بعدما اتخذ مسارا صعوديا في النصف الأول من هذا العام بمعدل 39.6 في المئة.
واحتل لبنان المرتبة الأولى عالميا على مؤشر البنك الدولي لتضخم الأسعار، متخطيا زيمبابوي التي جاءت ثانية، وفنزويلا في المركز الثالث، الأمر الذي يشير إلى حجم التحديات المقبلة للبلد الذي يعاني من أزمة حادة في أمنه الغذائي.
واعتبرت الهيئة الإدارية لتجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين أن رفع الدولار الجمركي بحجة تأمين إيرادات إضافية للخزينة العامة ستكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد والتضخم، في حين أن الوضع في حال انكماش حاد، والقدرة الشرائية تتدنى يوما بعد يوم.
وشدد نيكولا بوخاطر رئيس الهيئة بعد اجتماع عقد الأحد في بيروت على أن الحلول الترقيعية المعتمدة منذ بدء الأزمة غير مدروسة ولن تنفع، وأن الخطوة بمثابة “إطلاق رصاصة الرحمة على الاقتصاد الشرعي أو ما تبقى منه”.
ونسبت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إلى بوخاطر قوله إنه “يجب البدء فورا بضبط الحدود قبل رفع الدولار الجمركي على الشركات القانونية القليلة المتبقية، مما سيفضي إلى الإجهاز عليها كليا”.
ويدفع المستورد المبالغ الجمركية مقابل الإفراج عن البضاعة المحجوزة في الجمارك، ويمكنه استلامها بعد سداد مبلغ مالي يعرف باسم الرسوم الجمركية.
وغالبا ما يتم تحديدها بالعملة الأميركية وتقدير سعر الصرف استنادا على ما يقرره البنك المركزي، كما أنه يتأثر بتغير العرض والطلب في الأسواق.
ويقول الخبراء إن الطريقة التي تبني بها الحكومة أساسات الدولة لم تعد صالحة لإدارة الاقتصاد حاليا، وأن البلد بات في حاجة ماسة إلى بنود تستجيب وتعالج الأزمات المتراكمة التي لم تكن موجودة قبل 2019 على الأقل.
ورأى بوخاطر أنه من الأجدى تعقب اقتصاد الظل الذي لا يقوم بدفع ما عليه من ضرائب أو حتى المساهمات في صندوق الضمان الاجتماعي أو غيرها من الرسوم التي تدفعها الشركات التي تعمل تحت مظلة قانون الدولة.
كما أشار إلى أن خفض نسبة الجمارك 70 في المئة بالتوازي مع توحيد سعر الصرف الجمركي على سعر الصيرفة المتحرك، ودرس مفعول هذا التدبير بعد فترة سيسمح لمداخيل الدولة بأن تكون متحركة بالتوازي مع سعر الصيرفة.
وكان ميقاتي قد أرسل كتابا الخميس الماضي إلى وزير المالية يوسف خليل يطلب فيه اعتماد السعر الجديد لصرف الدولار الجمركي.
وتشكك الأوساط الشعبية في تبريرات الحكومة في ما يخص قرارها، والتي تزعم أنه سيشكل حماية للصناعة المحلية وأن معظم السلع الأساسية معفية.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن وزير الاقتصاد أمين سلام قوله إن “الوزارة عليها واجبات أساسية في المرحلة المقبلة خاصة في ظل الاتجاه إلى إقرار الدولار الجمركي”.
وأكد أن “اعتماد سعر الدولار الجمركي من صلاحيات وزارة المال ومصرف لبنان المركزي، والقرار حوله سيكون بين وزير المال يوسف الخليل، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة”.
ومنذ أغسطس العام الماضي زاد حجم الاستيراد بكميات كبيرة، وهو ما يتناقض بشكل واضح مع الحالة الاقتصادية التي يواجهها اللبنانيون في الوقت الراهن، حيث تشير أغلب التقارير الدولية إلى أن 80 في المئة منهم باتوا تحت خط الفقر.
وليس أمام السلطات الكثير من الوقت ولا الدولارات لتضييعها، فقد أدى الإنفاق على الدعم وعلى ضخ سيولة لإنقاذ الليرة إلى تراجع احتياطيات البلاد من العملة الصعبة من أكثر من 30 مليار دولار في 2019 إلى 11 مليار دولار اليوم وفقا لحاكم المركزي.
ويأتي ذلك فيما يتسارع تآكل أكثر من 90 في المئة من رواتب الموظفين بفعل الهبوط القياسي لسعر الليرة مقابل الدولار في العامين الأخيرين، وارتفاع تكاليف النقل بسبب غلاء الوقود.
ويشهد لبنان منذ العام 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، ولكنه اليوم يتعرض لضغوط أكبر بفعل تداعيات الأزمة في شرق أوروبا.