لا يمكن الفصل بالحديث بين مشروع موازنة 2023 ومنصة صيرفة. فمشروع الموازنة وإن كان لا يُعوّل عليه بشكله الأوّلي، إذ لا يزال مجرّد اقتراح من وزارة المالية، إلا أنه يستند بغالبية أبوابه على سعر الدولار المحدّد في منصة صيرفة. من هنا يأخذنا البحث إلى مدى جدّية توحيد سعر الصرف المعتمد في الموازنة من جهة ومصير منصة صيرفة من جهة أخرى.
الرواتب في مشروع الموازنة
أنجزت وزارة المال مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2023، وبعد تأخير تجاوزت مدته 9 أشهر، رفعته إلى رئاسة مجلس الوزراء لدرسه وإقراره وإحالته إلى المجلس النيابي. وبالنظر إلى الخلافات والتجاذبات التي يخضع لها عادة مشروع قانون الموازنة، فإن التقديرات التي تمت إحالته على أساسها قد تتبدّل بمجملها. وهو ما حصل فعلاً في موازنة العام 2022، حين ارتبطت معظم بنودها بسعر صرف موحد للدولار عند إعدادها، في حين انتهى بها المطاف باعتماد عدد من اسعار الصرف.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن التعويل على موازنة 2023 قبل خروجها من مجلس الوزراء على الاقل، لكنها تفاقم قلق العاملين بالقطاعين العام والخاص، من تكريس الضغوط التي بدأتها موازنة 2022 عليهم. وهو ما يرجّح أن يحصل، فمشروع موازنة 2023 يشدد على عدم احتساب الزيادات على رواتب العاملين في القطاع العام ومخصّصاتهم من ضمن أساس الراتب. بمعنى أن الزيادات التي حصل عليها العاملون في القطاع العام تأتي في خانة المساعدات الاجتماعية وزيادات غلاء المعيشة، وليس زيادة على الرواتب. وبالتالي، لا يمكن احتسابها لاحقاً من ضمن تعويضات نهاية الخدمة.
وفي مقابل الزيادات المقطوعة للعاملين في القطاع العام يتّجه مشروع موازنة 2023، حسب مصدر مطلع، إلى استعادة ما كان مقترحاً في موازنة 2022 لجهة ضريبة الدخل على الأفراد، لاسيما منهم العاملين في القطاع الخاص واحتسابها على أساس دولار منصة صيرفة. وهو أمر مخالف دستورياً، حسب المصدر، لجهة عدم مراعاة العدالة بين المكلّفين.
اعتماد دولار صيرفة؟
ويفيد المصدر أن وزارة المال اعتمدت في مشروع موازنة 2023 زيادة الرسوم والضرائب بكافة أشكالها كباب أساسي لزيادة إيرادات الموازنة، من دون أن ينعكس ذلك على زيادة الإنفاق لاسيما الإنفاق الاجتماعي. وهو أمر غير مستجد وغير مستغرب، حسب المصدر. فالموازنات التي دأبت وزارة المال على إعدادها في الأعوام الأخيرة، لا تقارب مفهوم الموازنات العامة. وقد اعتمدت بشكل أساسي على الزيادات الضريبية.
وبعد اعتماد وزارة المال في وقت سابق سعر دولار الدولار الجمركي عند 15000 ليرة والضريبة على القيمة المضافة وضرائب ورسوم أخرى، فإنها تقترح اليوم، حسب المصدر، اعتماد سعر دولار منصة صيرفة في تسعير الدولار الجمركي والـTVA وضريبة الدخل للمداخيل بالدولار. وكذلك برسوم المعاملات والتراخيص والعديد من الخدمات الرسمية.
ضغوط معيشية
ومن المرجّح ان تشكّل عملية اعتماد سعر دولار منصة صيرفة في موازنة 2023 ضغوطاً معيشية كبيرة على المواطنين، لاسيما منهم العاملين في القطاع العام الذي يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. علماً أن تعرفة الاتصالات والكهرباء والانترنت يتم تسعيرها على أساس دولار منصة صيرفة. وقد سجلت بذلك ارتفاعاً بنسبة قاربت 600 في المئة.
بناء على ما تقدّم، فإن مسألة ربط وزارة المال زيادة الضرائب والرسوم بدولار صيرفة، تحت ذريعة تغطية نفقات رواتب القطاع العام سقطت. وليست تلك الزيادات سوى محاولة لسد فجوة العجز الواقع في مشروع موازنة 2023. وعلى الرغم من تلك المحاولات، يبلغ العجز المتوقع في الموازنة نحو 34 ألف مليار ليرة، باعتبار أن نفقات الموازنة مقدّرة بنحو 181 ألف مليار ليرة في مقابل إيرادات بقيمة 147 ألف مليار ليرة.
وتزامناً مع جلسات مجلس الوزراء المرتقبة للبحث ببنود موازنة 2023 ودراستها، ربطاً بسعر دولار صيرفة، ثمة حالة من التخبّط تسود مصرف لبنان حول مصير منصة صيرفة وآلية عملها في المرحلة المقبلة، بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، نهاية الشهر الجاري.