تغيب بهجة عيد الميلاد عن مدينة بعلبك هذا العام، شأنه كسائر الأعياد التي مرّت على البعلبكيين ويومياتهم مثقلةً بالهموم والمتاعب، وجلّ همّهم تأمين مستلزمات الصمود في عزّ الشتاء البارد، والعمل قدر المستطاع لمجاراة الغلاء الفاحش الذي يضرب المواد الغذائية والخضار واللحوم وكأنّها في سباق معها.
على مرّ السنوات الماضية، إعتاد أهالي مدينة بعلبك والجوار، مسلمين ومسيحين، إنتظار عيد الميلاد لزيارة المغارة التي كانت تقام في كنيسة سيدة المعونات في المدينة قرب القلعة الأثرية، يجهد الأب إلياس غاريوس كل عام لإنجازها بالرغم من مشقّة العمل الذي يستمر لأسابيع كرسالة محبة وإنسانية ولتعزيز وجه المدينة الحقيقي، حتى أصبحت المغارة أشبه بالحجّ الذي يقصده المئات للتبرّك. وهذا العام، إختفت زينة الميلاد عن جدران المباني الأثرية في ساحة المطران، وانطفأ نور الشجرة التي كانت تتوسّطها، وغاب ضوء الزينة عن بركة رأس العين في مشهد يتحسّر عليه البعلبكيون. الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي ترخي بظلالها على مختلف المؤسسات والهيئات كانت العامل الأساس في غياب زينة الميلاد عن بعلبك، فالبلدية التي كانت سبّاقةً في تزيين الشوارع إنكفأت هذا العام نتيجة غياب السيولة وعدم تحويل أموال الصندوق البلدي المستقلّ، وهي خفّضت مصاريفها بشكل كبير وتقتصر فقط على معاشات الموظّفين لتسيير الأعمال.
وعن المغارة والزينة أشار كاهن كنيسة سيدة المعونات في المدينة الأب طوني حدشيتي الى أنّ “عيد الميلاد هو عيد المحبّة والخلاص والسلام، وربّنا نزل إلى الأرض لأجل البشرية جمعاء، لأجل الفقير والضعيف والمريض والمحتاج، ولأجل الجميع، مسلمين ومسيحيين والذين يعيشون في بعلبك مجسّدين العيش المشترك ويزورون بعضهم بعضاً في الأعياد ويعترفون بعيد الميلاد، وسبق أنّ تزامن عيد الميلاد مع عيد المولد النبوي الشريف واجتمع الجميع معايدين بعضهم”. وأشار الى إقامة مغارة رمزية للميلاد في الكنيسة، أما التكاليف الباهظة التي كانت تدفع سابقاً عليها وعلى الزينة فنحن نساعد بثمنها الفقراء بكلّ صراحة في هذا الزمن الصعب، ومن قبل، كان هناك تنسيق مع البلدية والجمعيات وهذا العام لم يتواصل معنا أحد والسبب هو الظروف الإقتصادية”.
ليالٍ صعاب تمرّ على أبناء المدينة في مشهد يومي لا صوت فيها يعلو على صوت الرصاص والقذائف، وأيام مريرة يقطعها الناس بشقّ الأنفس نتيجة الوضع الإقتصادي السيّئ، على أمل في أن يكون ميلاد المخلص فرجاً على بعلبك ولبنان أجمع، بهذه الكلمات يصف علي بيان الوضع في بعلبك وأجواء الميلاد، ويضيف بأنّ “الأعياد هنا ليست حكراً على طائفةٍ أو مذهب، فالجميع يتشارك الفرح والسرور، وعيد الميلاد له مكانةٌ كبيرة في قلوبنا ونتشارك مع إخواننا المسيحين فيه، ونتبادل التهاني ونحتفل معهم في هذه الليلة المجيدة، غير أنّ الوضع هذا العام إستثنائي، ولم نتمكّن من شراء زينة العيد ونصب الشجرة في البيت”.هذه الأجواء تنعكس على السوق التجاري الذي أصبحت حركته بلا بركة، فزحمة السير وتزاحم الأقدام لم ينعشا الحركة الإقتصادية فيه، وخسائر التجار إلى تزايد وبعض المحال أقفلت وأخرى في طريقها إلى الإقفال وصرف الموظفين. وفي هذا الإطار، أشار علي الجمّال صاحب أحد محال الألبسة الى أنّ “حركة الشراء كل عام في مثل هذه الأيام تكون مرتفعة جداً، فالناس تذهب للسهر والإحتفال بالميلاد ورأس السنة، ولكنّ العام الماضي كانت خفيفة أمّا هذا العام فهي شبه معدومة، فسعر صرف الدولار الذي سجل زيادةً بحدود الـ 5000 ليرة لبنانية عن العام الماضي كان له الأثر الأكبر في إنخفاض نسبة المبيع نتيجة إرتفاع أسعار الألبسة، والتي في معظمها مستوردة من الخارج، أما السبب الأساسي أيضاً فهو الوضع الإقتصادي المتردّي منذ ثورة تشرين، فالناس تتّجه إلى تأمين الأكل والمازوت وتستغني في الوقت الحالي عن السهر وإحياء الميلاد”.
بدوره، أكّد كمال ص. صاحب أحد محال بيع الزينة والألعاب أنّ “الإقبال هذا العام على شراء شجرة الميلاد وألعاب الأطفال ضعيف جداً، ومعظم من كان يقصد المحل فلشراء المستلزمات المدرسية فقط”.