في الأسابيع الماضية انتعشت حظوظ التمديد التقنيّ لحاكم مصرف لبنان بعدما شُطِب هذا الخيار منذ أشهر من أجندة المعنيّين بمصير الحاكمية.
يستند المؤيّدون للتمديد إلى سابقة العام 1984 حين طلب مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المال وموافقة رئيس مجلس الوزراء من حاكم مصرف لبنان آنذاك ميشال خوري بعد انتهاء ولايته “متابعة ممارسة مهامه إلى أن يتمّ تعيين حاكم ونواب حاكم لمصرف لبنان”.
ثمّة لوبي مصرفي-مالي-سياسي-“بيزنسيّ” كان يسوّق لهذا الطرح تحت ضغط صعوبة تعيين بديل و”وجعة الرأس” التي كرّسها نواب الحاكم الأربعة برفضهم تسلّم “تركة” رياض سلامة وكأنّ في الأمر تسليماً وتسلّماً في وزارة خدماتية. رياض سلامة في قرارة نفسه يريد هذا التمديد، لكنّه سيُجاهِر برفضه علناً.
بقي الرهان على التمديد قائماً حتى الأيام الأخيرة من ولاية الحاكم ولم يحجبه تأكيد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي أمس أنّ “موضوع التمديد غير مطروح على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء (اليوم)… وإذا طُرِح فلكلّ حادث حديث”.
بين الحاكميّة وقيادة الجيش
تشير المعلومات إلى محاولة للتوافق على آليّة التمديد، ومَن الجهة التي تطلبه، وزير المال أو الحكومة مجتمعة، ولمدّة محدّدة أو مفتوحة. وقد رُصِد دخول سعاة على الخط من ضمنهم النائب وائل أبو فاعور حيث يحاول الفريق الجنبلاطي الربط بين التمديد لسلامة “لدواعي الضرورة” وتجنّب احتمال حصول فراغ أيضاً في قيادة الجيش من خلال استدعاء رئيس الأركان السابق أمين العرم من الاحتياط بحيث يتسنّى للأخير تسلّم مهامّ القائد عند إحالته إلى التقاعد أو انتخابه رئيساً ريثما تُشكَّل حكومة وتُقرّ التعيينات.
تمديد “آخر لحظة”!
يقوّي حظوظ إقرار التمديد لسلامة “آخر لحظة” الموقف الذي يتّجه نواب الحاكم الأربعة لإعلانه خلال 48 ساعة. فمقابل المنظومة إيّاها الراغبة بالتمديد للحاكم وعدم ممانعة سلامة لذلك، قدّم نواب الحاكم مقاربة يمكن وصفها بالانقلابية لسببين: لأنّها عرّت الطبقة الحاكمة التي لطالما حَمت رياض سلامة و”دفنوه سوا”، وثانياً لأنّها كشفت تخاذل هذه الطبقة حيال أدنى واجباتها بإقرار القوانين الإصلاحية وتشريع الصرف من الاحتياطي الإلزامي.
مطلب “السطر ونصف”
فعليّاً، سيكون أسهل للطبقة السياسية التمديد لسلامة من التوافق على قانون يشكّل لبّ مطالب نواب الحاكم الأربعة. وهو قانون “السطر ونصف” الذي رفض مجلس النواب إقراره رامياً الكرة في ملعب الحكومة.
في الوقائع، ومنذ لحظة إصدار نواب الحاكم بيانهم ملوّحين بالاستقالة (إذا لم تقرّ مطالبهم كشرط لتسلّم نائب الحاكم صلاحيّات الحاكم) فُتِحت النار عليهم وتعرّضوا للمحاسبة عن “سياسات رياض” وقبولهم بها خلال 3 سنوات وصُوّروا كمتخاذلين ورافضين لتحمّل المسؤولية.
كان مطلب نواب الحاكم واضحاً: الإجازة للحكومة، بقانون صادر عن مجلس النواب، الاستدانة من مصرف لبنان من الاحتياطي الإلزامي بمبلغ محدّد (لا يتعدّى 200 مليون دولار) لمدّة ستّة أشهر بحيث لا تتخطّى القيمة الإجمالية للقرض 1.2 مليار دولار.
هو إجراء كافٍ، برأيهم، لمنع المضاربة وإعادة جزء من الاستقرار إذا ترافق مع إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة، ويكون آخر القروض التي تحصل عليها الدولة اللبنانية.
تضليل ومناورة
لم تنفع عشرات الكتب التي وجّهها نائب الحاكم الأول للحكومة طوال السنوات الماضية عبر تحذيرها من استنزاف الاحتياطي الإلزامي والاستمرار بالاستدانة خلافاً للقانون، فيما ليس هناك أيّ نصّ في قانون النقد والتسليف يتيح لنواب الحاكم منع الأخير من منح القروض للدولة، لذلك كانوا يكتفون بالاعتراض داخل المجلس المركزي.
حين جلس نواب الحاكم الأربعة أمام النواب في اجتماع لجنة الإدارة والعدل ومن خلال اتصالاتهم في الكواليس لمسوا، كما تقول مصادرهم، “أداءً سياسياً مجبولاً بالتضليل والمناورة والنوايا السيّئة وتبديل الأقنعة وقلب الحقائق بتصوير نواب الحاكم متخاذلين عن تحمّل مسؤوليّاتهم فيما التقصير الأوّل يبدأ بالنواب الذين عجزوا عن القيام بالمطلوب منهم وحكومة تستدين “عالعمياني”.
Dirty work
يمكن التسليم بأنّ الطاقم السياسي الحاكِم الذي “كعّى” صندوق النقد الدولي وقصّر بوقاحة في مهمّة التصدّي للانهيار لن يصعب عليه النفاذ من “شِباك” نواب الحاكم الأربعة. فقانون السطر ونصف لن يُقرّ لأنّ “المنظومة” أوكلت من يقوم عنها بالـ Dirty work! لذلك لا يمكن توقّع مفاجآت من الاجتماع المرتقب اليوم بين هؤلاء والرئيس نجيب ميقاتي. الأخير، بعكس تصريحاته، يرى أنّ أفضل الحلول إبقاء الحاكم في موقعه.
وفق المعلومات، سيعيد نواب الحاكم وسيم منصوري، سليم شاهين، بشير يقظان، وألكسندر موراديان في اجتماعهم مع ميقاتي سَرد ما قالوه أمام النواب.
تؤكّد مصادر هؤلاء لـ “أساس”: “نحن لا نريد الاستقالة ولا نقبل اتّهامنا بالتخاذل عن تحمّل مسؤوليّاتنا. لكن بالتأكيد لن نقبل بأن نصرف قرشاً واحداً من التوظيفات الإلزامية بعد 1 آب من دون قانون، ولا نرضى بالعمل من دون الالتزام بخطة إصلاحية”.
مهلة 48 ساعة
في اجتماع اليوم سيطلب ميقاتي مهلة 48 ساعة قبل أن ينفّذ نواب الحاكم تهديدهم بالاستقالة، فيما تستبعد مصادر مطّلعة إقرار مسألة التمديد لسلامة خلال جلسة مجلس الوزراء المخصّصة لمناقشة الموازنة.
ينقل قريبون من نائب الحاكم الأول وسيم منصوري قوله: “تعايرونني بأنّني أتهرّب من مسؤوليّاتي. لكن كي أقبل بأن أصبح حاكماً لن أخالف أنا ونواب الحاكم القانون. نحن نستطيع تأمين الاستقرار وبدء عجلة التعافي إذا التزم السياسيون بالمطلوب منهم. إطلبوا قرضاً على رأس السطح من التوظيفات الإلزامية ونحن نتولّى إدارة الدفّة المالية والنقدية وتحقيق الاستقرار المنشود في هذه الفترة. لم أضع الاستقالة الفعليّة في حساباتي. مارسنا ضغوطاً في البداية، لكن إذا لم أستقِل مع زملائي فهناك 400 ألف عائلة ستُحرم من المال والمأكل والمشرب لأنّني سأرفض إقراض الحكومة بغياب قانون يسمح لي بالدفع”.
يضيف منصوري: “أنا فالل على بيتي لأنّهم سيجبرونني على أن أجوّع 400 ألف عائلة تعمل في القطاع العامّ. لا يهمّني إغراءات موقع الحاكم وصلاحيّاته الأصيلة ولا المرافقون ومواكب السيارات والمخصّصات… أريد قانوناً يشرّع الصرف من الاحتياطي وخذوا منّي وضعاً مستقرّاً ورسم الطريق نحو الخروج من النفق مع خطة قابلة للتنفيذ. من ثلاث سنوات رفضوا تحمّل مسؤوليّاتهم في إقرار القوانين الإصلاحية اللازمة واليوم “بحطّوها عليّي”. إنّني أرفض تحمّل المسؤولية. لو أنا بلا ضمير “بَعمِل” حاكم مصرف مركزي ومن بعدي الطوفان. لن أكون شاهد زور، وهناك عملية تضليل واسعة سنتحدّث عنها في المؤتمر الذي سنعقده لتقديم استقالتنا في حال لم تُلبَّ مطالبنا”.
لا أجندة سياسيّة
يجزم نواب الحاكم أنّهم لم يستفيقوا اليوم على سياسات الحاكم الخاطئة، “فقد حذّرنا، والمواجهة مع رياض سلامة في مسألة السياسة النقدية والمالية بدأت منذ اليوم الأول، لكن ما من نص قانونيّ يتيح لنا وقف هذا المسار والتدخّل بصلاحيات الحاكم الذي رضخ بالنهاية للضغوط ونسّق مع الحكومات في مسألة الصرف و”أخذها بظهره كخيار وحيد متاح له”.
وتدليلاً على عدم تنفيذ نواب الحاكم الأربعة أيّ أجندة سياسية تقول مصادر هؤلاء: “لقد تمّ تعييننا في ظروف معروفة غلبت فيها مطالب وضغوط الثورة فاختيرت وجوه من جانب مرجعيات سياسية لكن يُشهد لها بالكفاءة والشفافيّة. وكلّ خطواتنا المُعلنة هي منسّقة ومتوافَق عليها فيما بيننا، فلو كان هناك أجندة لما كان سهلاً التوافق وخوض المعركة معاً”.
وذهب النواب الأربعة في إيجابيّاتهم، وفق المعلومات، إلى حدّ الموافقة على تعديل المادة 19 من قانون النقد والتسليف، وهو “ما يتيح إقالتنا ومحاسبتنا على كلّ قرش نصرفه. لكن مع ذلك رفضت السلطة السياسية السير بأجندتنا الإصلاحية والقانونية والالتزام بآليّة شفّافة في التصرّف بالمال العامّ. هذا النموذج بالتأكيد لا يناسب مصالحهم”.