سابقة تاريخية… النواب لم يطّلعوا على موازنة 2025

ما إن أعلن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل إقرار مشروع موازنة 2025 بمرسوم “بات ضرورة ملحة” حتى علت أصوات العديد من النواب المحذّرين من مخاطر إقرار الموازنة بشكلها الحالي بمرسوم، إذ لم تعد أرقام الإيرادات ولا النفقات واقعية بعد كل ما حل بالقطاعات والمؤسسات جراء الحرب التي مرّت على لبنان.
وكان لافتاً التحذير المتكرّر الذي أطلقه رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان من أن إقرار الموازنة بمرسوم سيشكّل خطراً على الخزينة، علماً ان السبب المباشر الذي يقف وراء التوجّه لإقرار مشروع الموازنة بمرسوم يعود إلى عدم إقرارها من قبل مجلس النواب ضمن المهل الدستورية المحدّدة. ويتحمّل كنهان مسؤولية في ذلك. فهو لم يقم بدوره كرئيس للجنة المال، ولم يوزّع مشروع الموازنة على النواب، بحسب ما يؤكد أكثر من نائب.
ما يعني أن مشروع موازنة 2025 يقترب من الإقرار بموجب مرسوم، في وقت تم تغييب دور مجلس النواب وعموم النواب ولم يتم إطلاعهم على المشروع، وهذا ما يعد سابقة تاريخية فلم يسبق أن حصل هذا التجاوز والتجاهل لدور السلطة التشريعية.

كنعان لم يقم بدوره
من المسلّم به أن موازنة 2025 بأرقامها الحالية باتت غير واقعية، باعتراف وزير المال أيضاً الذي يقول أن النفقات المقدّرة للعام 2025 ارتفعت وتقدّر بـ5 مليارات دولار وأن إقرار الموازنة بشكلها الحالي بموجب مرسوم يبقى “أسلم مالياً من عدم إقرارها واللجوء إلى الصرف على القاعدة الاثني عشرية”.

ويتذرّع البعض بالحرب مبرّراً لعدم البحث بالموازنة وإقرارها في مجلس النواب. الحرب، فعلاً حالت دون ذلك، لكن في الواقع أن مشروع الموازنة لم يتم توزيعه على النواب حتى بعد الحرب. وبحسب عضو لجنة المال والموازنة النائبة غادة أيوب “تمت احالة مشروع موازنة 2025 بتاريخ 4 تشرين الأول 2024 أي قبل نحو 15 يوماً من بدء العقد المخصص لمناقشتها، ما يسمح باقرارها بمرسوم في حال تمنع مجلس النواب عن مناقشتها خلال العقد الاستثنائي الممتد حتى كانون الثاني. والموازنة لم توزع علينا كنواب ولا كلجنة مال وموازنة“. وترى أيوب أنه تم تغييب دور مجلس النواب الرقابي ولم يتم تبليغ اللجان النيابية بمشروع الموازنة، كما لم يتم دعوة لجنة المال والموازنة الى إصدار توصية في هذا الموضوع سواء لتتبع مسار الموازنة القانوني والدستوري أو لاسترداد او رد الموازنة، فلو تسنى لنا درسها كان بإمكاننا ربما خفض النفقات التي ارتفعت إلى 5 مليارات دولار، تقول أيوب.
وتجزم أيوب أن رئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان لم يقم بدوره ولم يبلغ اللجنة بمشروع الموازنة، بموجب المادة 43 من النظام الداخلي لمجلس النواب، لا بل أنه غيّب دور مجلس النواب “وما حصل أنه تم تنييمها في مجلس النواب أكثر من 3 أشهر واستفاق اليوم على أن إقرارها بمرسوم غير دستوري”، وتقول أن الظروف الإستثنائية تشكّل ذريعة دائماً لمخالفة الدستور.

وبحسب بالمادة 43 من النظام الداخلي لمجلس النواب فإنه يبلغ أعضاء اللجان مشروع الموازنة العامة فور وروده إلى المجلس، تدعو لجنة المال والموازنة إلزامياً كل لجنة من لجان المجلس، وقبل يومين على الأقل لحضور الاجتماعات التي تدرس فيها الموازنة المتعلقة بأعمال هذه اللجنة، ويشترك أعضاء هذه اللجنة في المناقشة وتقديم الاقتراحات والتصويت. وهو ما لم يقم به النائب كنعان.

باختصار أصبحنا أمام إشكال حقيقي اذ أن أرقام النفقات تبلغ 5 مليار دولار فيما كان سقف الانفاق مقدر بالـ2024 بـ3.6 مليار، والفارق الذي كان متوقعاً تحصيله بالايرادات لم يعد متوفراً اذ أن الايرادات باتت وهمية نتيجة الدمار الحرب التي اوقفت عمل الكثير من المؤسسات وبالتالي لم يعد تحصيل الإيردات المقدّرة واقعياً.

واقع موازنة 2025
بصرف النظر عن أن وزارة المال والحكومة التزمت بإحالة الموازنة وفقاً للأصول وضمن المهل الدستورية، فإن الواقع اليوم أن البلد يسير من دون موازنة أي من دون أي مظلة قانونية للإنفاق العام، فالدستور أجاز للحكومة أن تنفق وفق القاعدة الإثني عشرية لغاية نهاية شهر كانون الثاني، بمعنى أنه بات مخالفاً على الحكومة الإنفاق منذ بداية شباط الحالي وجباية الضرائب أيضاً. وعليه تتجّه الحكومة إلى إصدار قانون موازنة 2024 بموجب مرسوم. وبين الإستمرار بالإنفاق بدون أي مسوغ قانوني أو إصدارها بموجب مرسوم بات البلد أمام خياري السيء والأسوأ.
وبحسب خليل فإن إقرار مشروع موازنة 2025 بمرسوم بات ضرورة ملحة. إذ أن الصرف على القاعدة الاثني عشرية يُلزِم المالية العامة بسقف قانون موازنة 2024 والبالغ 308 ترليون ليرة أي 3.6 مليار دولار، فيما احتياجات العام 2025 مقدرة بـنحو 445 ترليون ليرة أي ما يوازي 5 مليارات دولار، ما يحتم الحاجة إلى إصدار سلفات خزينة لسد الحاجات الإضافية.

مع العلم أن النفقات الإضافية التي لا تتوافر لها اعتمادات في حال عدم اقرار مشروع موازنة 2025 ترتبط بالمساعدات الاجتماعية وبنفقات الرواتب والأجور وملحقاتها والمنافع الاجتماعية ومعاشات التقاعد والمساعدات الاجتماعية العائدة للقطاع العام كما انها لا تلحظ كلفة التطويع العسكري الإضافي وفروقات تعويض النقل المقطوع للأجهزة العسكرية.

إصدار الموازنة بمرسوم
من هنا يرى وزير المال أن من الضرورة إقرار الموازنة بمرسوم، بمعنى أنه اختار السيء بدلاً من الأسوأ. على أن يبحث لاحقاً في كيفية سد العجز في الموازنة مع العلم أنها تبقى المهمة الاصعب في ظل تعزّر القدرة على الإستدانة من الخارج أو الصرف من خلال الإقتراض من مصرف لبنان.

وتستند الحكومة في التوجّه لإقرارها بمرسوم إلى المادة 86 من الدستور التي تنص على الآتي “اذا لم يبت مجلس النواب نهائيا في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة واذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبت نهائياً في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء أن يتخذ قراراً يصدر بناء عليه عن رئيس الجمهورية، مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به الى المجلس مرعياً ومعمولاً به. ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق إلا إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً على الاقل.

على أنه في مدة العقد الاستثنائي المذكور تجبى الضرائب والتكاليف والرسوم والمكوس والعائدات الاخرى كما في السابق أساساً ويضاف إليها ما فتح بها من الاعتمادات الدائمة ويحذف منها ما اسقط من الاعتمادات الدائمة وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الاثني عشرية.

وإذ تأسف أيوب لاضطرار الحكومة إصدار الموازنة بمرسوم ومن دون قطع حساب تقول “لقد أفقدوا النواب سلطة الرقابة وليتحمل كل من عطّل دور لجنة المال والموازنة ودور مجلس النواب الرقابي بعدم اتباع الأصول القانونية والدستورية في قبول أو رفض مناقشة الموازنة، أو طلب استردادها من الحكومة بتوصية صادرة عنه، مسؤولية اصدار موازنة 2025 بمرسوم من دون قطع حساب”.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةبارودي من أثينا: هكذا يمكن للحكومة الجديدة أن تفعِّل قطاع الطاقة خلال ٩٠ يوماً
المقالة القادمةإصدار مشروع الموازنة بمرسوم… هل تفعلها حكومة سلام؟