ساعات من الترقب في مصر انتظاراً لـ«المركزي» ومحافظه

لم يقتصر الترقب في مصر على معرفة قرارات البنك المركزي عقب اجتماعه أمس، إذ كان جانباً مهماً من الترقب يتركز على التكهن بشخصية المحافظ الجديد عقب استقالة المحافظ السابق طارق عامر المفاجئة، صباح الأربعاء.
وعصر أمس، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قراراً جمهورياً بتعيين حسن عبد الله، «قائماً بأعمال محافظ البنك المركزي». فيما نشرت قُرارات «المركزي» في وقت متأخر أمس (عقب إعداد هذا التقرير).

ويتميز حسن عبد الله، الذي كان أحدث مناصبه رئيس «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، بمسيرة مصرفية زاخرة بالمناصب القيادية على الصعيد المحلي والإقليمي، حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب للبنك العربي الأفريقي الدولي منذ عام 2000 حتى 2018، بعد أن تدرج في المناصب به منذ تعيينه عام 1982، وعمل بعدد من الإدارات المختلفة بالبنك، عمل خلالها بفرع البنك بنيويورك عام 1988، ثم عاد مساعداً لمدير عام البنك بالقاهرة عام 1994.

وقبل الإعلان عن المحافظ الجديد، فإن مصادر حكومية ومصرفية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن عبد الله هو أبرز المرشحين للمنصب مع عدد من الشخصيات المصرفية الكبرى، إلى جانب هشام عكاشة رئيس «البنك الأهلي المصري»، ومحمد الأتربي رئيس «بنك مصر» ورئيس اتحاد بنوك مصر، إضافةً إلى جمال نجم ورامي أبو النجا نائبي محافظ البنك المركزي.

ولم تغب عن الترشيحات القوية شخصيات اقتصادية (غير مصرفية) في اتجاه آخر ربما يعبّر عن تعديل في التوجهات خلال الفترة المقبلة، ومن بين أقوى الأسماء التي كانت مطروحة على الطاولة، الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي… وكان من شأن تولي أي منهما أن تصبح مصر الدولة رقم 17 على مستوى العالم فقط التي تتولى فيها امرأة هذا المنصب (من بين نحو 200 مصرف مركزي في العالم). وأصبحت السياسة النقدية لمصر الآن مفتوحة على كل الاحتمالات بعد الاستقالة المفاجئة لعامر، التي جاءت قبل يوم واحد من الاجتماع المقرر (أمس) للجنة السياسة النقدية في البنك لاتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة. خصوصاً أن تلك التطورات تتزامن مع تزايد الضغوط على الجنيه المصري نتيجة تضرر الاقتصاد من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، حسب وكالة «بلومبرغ».

وقالت الوكالة إنه قبل استقالة عامر كان أغلب المحللين يتوقعون إقدام البنك على زيادة أسعار الفائدة للمرة الثالثة خلال العام الحالي للحد من معدل التضخم المرتفع. لكن المحللين الذين استطلعت «بلومبرغ» رأيهم أمس انقسموا، حيث قال 6 من بين 12 محللاً إن لجنة السياسة النقدية ستُبقي على سعر الفائدة الرئيسية عند مستوى 11.25 في المائة للمرة الثانية على التوالي، في حين قال باقي المحللين إنها سترفع سعر الفائدة بما بين 50 و200 نقطة أساس.

ومن بين الأمور التي شغلت المجتمع الاقتصادي والمصري بشكل عام، موضوعات أخرى غير سعر الفائدة، في ظل التكهنات بحاجة مصر إلى خفض جديد لقيمة العملة المحلية من أجل امتصاص آثار الصدمات الخارجية. كما تسعى الحكومة للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي الذي يطالب بمزيد من المرونة في سوق الصرف المصرية.

ونقلت «بلومبرغ» عن فاروق سوسة، المحلل الاقتصادي في بنك الاستثمار الأميركي «غولدمان ساكس غروب» بلندن، القول إن «عامر كان مؤيداً بقوة لسياسة استقرار الجنيه، لذلك ترى السوق أن استقالته يمكن أن تفتح الباب أمام قدر أكبر من مرونة سعر الصرف في الفترة المقبلة».

وشهدت مصر بالفعل في مايو (أيار) الماضي أكبر زيادة لسعر الفائدة خلال نحو نصف عقد، كواحدة من خطوات كثيرة قامت بها السلطات المعنية لاحتواء تأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية على الاقتصاد المصري. فقد أدت الحرب إلى ارتفاع صاروخي في أسعار القمح والوقود وهو ما أضر كثيراً بالاقتصاد المصري نظراً لاعتماد مصر على القمح المستورد في تغطية نحو نصف احتياجاتها. كما تضرر قطاع السياحة بهذه الحرب وهو ما أدى إلى خروج نحو 20 مليار دولار من الاقتصاد المصري، مما أدى إلى زيادة الضغوط على الجنيه.

ويقول زياد داوود، كبير خبراء الاقتصادات الناشئة في «بلومبرغ»، إن استقالة محافظ البنك المركزي المصري قد تشير إلى تحول في سياسة سعر الصرف لمصر. وأدى تثبيت سعر الصرف تقريباً منذ 2017 رغم جائحة فيروس «كورونا» المستجد وزيادة أسعار الفائدة في العالم وارتفاع أسعار الوقود والغذاء، إلى زيادة الضغوط على الجنيه. وقد يتم تعديل سعر الصرف المطلوب في مصر خلال الفترة المقبلة. وأضاف أنه قد يتم أيضاً زيادة أسعار الفائدة نظراً لاستمرار معدل التضخم المرتفع في مصر، التي أصبحت مهتمة بجذب الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين المصرية.

وأدى ارتفاع معدل التضخم إلى انخفاض سعر الفائدة الحقيقية في مصر بعد حساب معدل التضخم إلى أقل من صفر في المائة، وهو ما يقلص جاذبية السندات المصرية للمستثمرين الأجانب. وتقول مونيكا مالك، كبير المحللين الاقتصاديين في «بنك أبوظبي التجاري»: «نرى ضرورة لتشديد جديد للسياسة النقدية» في ظل سعر الفائدة السلبية في مصر بالنسبة لمعدل التضخم «واحتمالات المزيد من الارتفاع لمعدل التضخم خلال الشهور المقبلة». وتوقعت زيادة سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية.

وبلغ معدل التضخم في مصر خلال الشهر الماضي 13.6 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من 3 سنوات، مما يضيف المزيد من المعاناة للمستهلكين في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان. وجاء الارتفاع في معدل التضخم خلال الشهر الماضي جزئياً نتيجة ارتفاع أسعار النقل بنسبة 17 في المائة بسبب قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود. ومن المحتمل زيادة أسعار الوقود مجدداً خلال الفترة المقبلة.

ومن المنتظر أن تؤدي أي زيادة في الفائدة إلى تحسين جاذبية أدوات الدين المصرية لدى المستثمرين الأجانب الذين بدأوا العودة مجدداً إلى هذه السوق. فقد سجلت استثمارات الأجانب في سندات الخزانة المصرية خلال يونيو (حزيران) الماضي أول زيادة لها منذ شهور، حسب البيانات الرسمية.

وقال محمد أبو باشا، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلّي في بنك الاستثمار المصري (إي إف جي هيرمس)، إن «تشديد السياسة النقدية مجدداً أمر مناسب في هذه المرحلة، في ظل توقعات ارتفاع أسعار الوقود واستمرار تراجع قيمة الجنيه».

مصدرالشرق الأوسط - لمياء نبيل
المادة السابقة3,5 مليون دولار مساعدات إنسانية وخدمات من كوريا الجنوبية الى لبنان
المقالة القادمةمقترحات روسية لتوفير تمويل رخيص لشركات الطاقة