لا يبدو استحقاق الخريف المرتبط بصدور قرار مجموعة العمل المالية الدولية (FATF) في شأن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية هو الاستحقاق الوحيد الذي ينبغي أن يقلق في شأنه اللبنانيون، بل هناك أيضا ملف آذار المتعلق بسندات اليوروبوندز، والذي يحتاج الى معالجة منذ الآن، قبل ان يصبح الوقت متأخّراً، ويقع المحظور.
صار من المعروف ان حملة اليوروبوندز في الداخل والخارج، على موعد مع استحقاق مفصلي في آذار المقبل، حين سيفقدون حقهم في المطالبة بالفوائد على السندات الدولارية، اذا لم يبادروا الى رفع دعاوى في وجه الدولة اللبنانية تحفظ حقهم في هذه الفوائد. ومنذ أن طُرحت هذه الاشكالية قبل بضعة اشهر، هناك الكثير من الكلام عن امكانية تحاشي الوصول الى دعاوى، من خلال إقدام الدولة على التنازل عن حقها في هضم الفوائد بعد مرور خمس سنوات، واعلان تمديد مهلة “الاعتراض” امام حملة اليوروبوندز الى عشر سنوات، لدفعهم الى التخلي عن رفع الدعاوى، والاستمرار في نهج الانتظار المُعتمد من قبلهم منذ اعلان التوقف عن الدفع في آذار 2020. وللتذكير، يتراوح حجم هذه الفوائد المستحقة بين 10 و12 مليار دولار. لكن كثرة الكلام في شأن خطوة التمديد الارادي من قبل الدولة، تقابلها حالة من الجمود في رصد أي مسعى فعلي للقيام بهذه الخطوة، خصوصا ان الوقت يضيق، واذا كان لا بد من هذا الاجراء، فينبغي ان يتم اتخاذه قبل اشهر من موعد الاستحقاق، لأن حاملي السندات لن ينتظروا حتى اللحظة الاخيرة لرفع الدعاوى. كما أن هؤلاء، وفي حال جهّزوا ملفات الدعاوى، وجرى تكليف المكاتب القانونية بتقديمها، قد لا يوافقون على وقفها، حتى لو أصدرت الدولة فتوى التمديد التلقائي. وبالتالي، تكمن قيمة وأهمية التمديد في توقيته.
في غضون ذلك، جاء التصعيد العسكري، واحتمالات توسّع الحرب بمثابة “شحمة على فطيرة”، وذريعة في وقتها لكي تبرّر الدولة اسباب تقاعسها في التصدّي لهذا الموضوع في وقت مبكر، وصار لسان حال المسؤولين الذين تتمّ مراجعتهم، ان الهمّ الاساسي في هذه المرحلة، هي خطة الطوارئ استعداداً لاحتمال اندلاع الحرب، وان كل الملفات الاخرى مؤجّلة حالياً. وكأن من يقول مثل هذا الكلام، كان يعمل فعلياً على هذه الملفات، قبل أن يستجد التصعيد، وترتفع اسهم اتساع الحرب.
في المعطيات، ان حملة الاسهم الخارجيين باشروا تحضيراتهم لرفع دعاوى قانونية في وجه الدولة. وهناك كلام أنه تمّ تحديد ساعة الصفر بالنسبة الى موعد رفع هذه الدعاوى، والذي سيكون قبل نهاية العام الجاري. وقد بات هؤلاء يحملون القسم الاكبر من هذه السندات (حوالي 65%)، في حين يحمل اللبنانيون (مصارف وافراد) ما تبقّى. ويبلغ مجموع قيمة السندات حوالي 31 مليار دولار.
في المقابل، تجري مباحثات بين المصارف اللبنانية حالياً لتوحيد الموقف حيال ما ينبغي القيام به في مواجهة هذا الاستحقاق. وتكمن الاشكالية الرئيسية في هذا الموضوع في حساسية القرار، مهما كانت طبيعته. اذ في حال قررت المصارف عدم رفع دعوى، انطلاقاً من مبدأ عدم المواجهة مع الدولة في هذا الظرف الصعب، فانها تجازف بفقدان حقها في المطالبة بالفوائد، في حين ان حملة السندات الاجانب سيحفظون هذا الحق من خلال الادعاء. كما ان قرار التخلي عن هذا الحق، ليس مجرد مسألة خاصة تقررها المصارف، على اعتبار ان الاموال التي تطالب بها هي في النتيجة جزء من اموال المودعين، وليست اموالا خاصة تملكها المصارف. وليس من حق المصارف ان تتخلى عن حقوق المودعين. بل ان المودعين يمتلكون ربما حق رفع دعاوى على المصارف، في حال لم تحفظ حقوقهم في هذا الملف. وبالتالي، ورغم عدم وجود قرار حاسم حتى الان، إلا أن المنطق يقود الى الاعتقاد ان المداولات بين المصارف ستنتهي في النتيجة الى قرار رفع دعوى على الدولة.
الاتصالات جارية حالياً مع من يعنيهم الامر في الدولة، لحثهم على ايلاء هذا الموضوع الاهتمام، خصوصاً ان إصدار تمديد لحقوق حملة اليوروبوندز لمدة خمس سنوات اضافية، لا يحتاج الى مجهود استثنائي، يمكن ان يعطّل الدولة عن المهمة الرئيسية التي ترفع شعارها اليوم، وهي الاستعداد للحرب. وتستطيع وزارة المالية، وبعد التشاور مع القانونيين ومع صندوق النقد الدولي، إصدار فتوى تمديد المهل. وكل يوم تطالعنا بيانات من المالية حول تمديد مهل تسديد ضرائب او رسوم، فهل من الصعب اضافة فرمان تمديد مهل في سندات اليوروبوندز، على غرار فرمانات دفع الضرائب والرسوم؟
اذا أقدمت الحكومة على هذه الخطوة، سيلاقيها حملة السندات في الداخل بالايجابية والقبول، وقد يحثّ ذلك الاجانب على خطوة مماثلة. أما اذا تقاعست الدولة عن القيام بواجباتها، وهو النهج الذي تتّبعه في مواجهة الانهيار منذ خمس سنوات، فاننا نتجه حتماً الى دعاوى خارجية وداخلية، وستكون المخاطر المرتبطة بنتائج هذه الدعاوى، سيما الخارجية منها، غير محسوبة، ويصعب التكهّن بمساحة تشعباتها وحجم أضرارها.