وجدت أبحاث أجراها علماء بريطانيون، أن مدغشقر لديها القدرة على منافسة الصين في توفير المعادن الأرضية النادرة. ونُشر هذا البحث في مجلة “اتصالات الطبيعة” (Nature Communications)، وهو يسلط الضوء على مصادر بديلة للمعادن الأرضية النادرة الثقيلة التي يتم البحث عنها كثيرًا في التقنيات الحديثة، مع التركيز على التربة شبه الاستوائية في شمال مدغشقر، الذي اشتهر لعشرات السنين بمحصول الفانيليا.
يقول الباحثون إنّ الجيولوجيا التي تساعد في جعل شمال مدغشقر واحدا من الأماكن القليلة المثالية لزراعة الفانيليا، تجعله ينتج أيضًا طينًا غنيًا يعرف باسم “التربة النادرة”، ويوفّر مجموعة من 17 معدنًا لها خصائص فريدة، تجعلها حيوية في إنتاج تقنيات، مثل توربينات الرياح والطائرات المقاتلة والهواتف المحمولة وآلات الأشعة السينية.
حاليًا، تسيطر الصين على حوالي 70 في المائة من الإنتاج العالمي للمعادن النادرة عبر مناجمها الواسعة ومنشآت الإنتاج في شمال وجنوب البلاد، المخصصة لضخ مخزون من العناصر بأسماء غريبة، مثل الديسبروسيوم والبروميثيوم.
وعندما يتعلق الأمر بإنتاج مغناطيس دائم عالي التخصص يعتمد على العناصر الأرضية النادرة التي تعتبر مكونات أساسية في عناصر من أنظمة توجيه الصواريخ إلى المحركات في السيارات الكهربائية، فإن بكين تتحكم بحوالي 90 في المائة من الإنتاج العالمي.
هذه المعادلة غير المتوازنة للعرض والطلب العالميين، لم تنشأ عن طريق الصدفة. ففي عام 1992، أدرك الرئيس الصيني آنذاك دنغ شياو بينغ، الأهمية الجيوسياسية لهذه المعادن عالية التقنية في البلاد، ولاحظ أنّ الشرق الأوسط لديه النفط والصين لديها الأرض النادرة. وقد ظهر استعداد بكين لاستخدام هذه الميزة وإبراز عضلاتها في عام 2010، عندما قطعت الصين صادرات المعادن النادرة عن اليابان.
ويشير البحث إلى أنّه من المتوقع أن ينمو الطلب على المعادن الأرضية النادرة بشكل كبير خلال العقود القليلة القادمة، حيث يتم تطوير مشاريع الطاقة النظيفة الطموحة، مثل الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي، على مستوى العالم.
ومع ذلك، لا تزال معظم الاقتصادات تجد نفسها تعتمد بشكل كبير على الواردات من الصين. وهو ما أسّس لأرضية خصبة للحرب التجارية الشرسة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
وللتأكيد على هذه النقطة، قدّم الكونغرس الأميركي، هذا الأسبوع، مشروع قانون يهدف إلى تقليل اعتماد الولايات المتحدة على المعادن الصينية النادرة، بعدما طرحت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة في بكين، العام الماضي، فكرة تقييد الإمدادات الأرضية النادرة مرة أخرى، واستخدامها كقوة رادعة في مواجهتها مع واشنطن، وذلك بحسب ما أوردت صحيفة “آي”.
والنتيجة كانت سباقا عالميا للعثور على مصادر أخرى للعناصر السبعة عشر، التي وصلت اليوم إلى المناطق النائية، منها منطقة بركان مدغشقر. وأعلن باحثون في جامعتي سانت أندروز وبرايتون، هذا الشهر، عن نتائج الاختبارات المتقدمة التي أظهرت أن تكوين الطين في ما تبقى من نواة البركان التي يبلغ عمرها 24 مليون عام مطابق لتلك الموجودة في جنوب الصين والتي تعد مصدرًا لنسبة كبيرة من معادن الأرض النادرة في العالم. ومن المحتمل أن تفتح هذه النتائج الطريق أمام مدغشقر، إحدى أفقر دول العالم، ودول أخرى لديها احتياطيات أرضية نادرة غير مستغلة، لتلبية الطلب في المستقبل.
وفي السياق، قالت الدكتورة أنوك بورست، من كلية علوم الأرض والبيئة بجامعة سانت أندروز، التي قادت البحث، إن فكرة أن الرواسب الأرضية النادرة الصينية فريدة من نوعها باتت مرفوضة.
وأكّدت أن الدراسة تثبت أن التربة الصينية متطابقة مع الرواسب الموجودة في مدغشقر، وأنها تشكلت بطرق مماثلة، وأنّ السباق الآن مستمر للعثور على رواسب أخرى في أماكن أخرى من العالم.
وتسيطر الصين على سوق المعادن النادرة، فهي تمتلك حاليًا احتياطيات تبلغ حوالي 44 مليون طن، أي ما يقرب من نصف الإجمالي العالمي، لدرجة أن الخبراء يجادلون بأن ميزتها التجارية الحالية لا تتزعزع.