أصدرت وكالتا فيتش وستاندار آند بورز تحديثاً لتصنيف لبنان الائتماني، وفيما خفضت فيتش تصنيف لبنان الإئتماني من «B-» إلى «CCC+» حافظت ستاندار آند بورز على تصنيف لبنان عند «B-» .
ويظهر من خلال التقريرين أن التخبّط السياسي والتعطيل الحكومي يحمل المسؤولية الكبيرة في الوضع الحالي للبنان، من خلال غياب الإصلاحات المالية والاقتصادية وعدم قدرة الحكومة على الالتزام بنسب العجز المُقرّة في الموازنات.
هذا الأمر يزيد من الضغط على مصرف لبنان وعلى نظام التمويل بالكامل بحكم أن ضعف مداخيل الدولة يجعلها تتموّل بشكل رئيسي من مصرف لبنان، وشكّل التباطؤ في إقرار الموازنة والتعطيل الحكومي على خلفية أحداث قبرشمون الأسباب الأساسية لضعف ثقة المستثمرين، مما دفع قسم منهم إلى سحب أمواله والقسم الآخر إلى تحويله إلى دولار.
وقالت الوكالتان أن قدرة مصرف لبنان على تمويل الدولة ما زالت جيدة، إلا أنها تُنهك مصرف لبنان، وبالتالي وبغياب إصلاحات هيكلية من قبل الحكومة، لن يكون هناك من قدرة على الاستمرار على هذا النموذج.
تخفيض تصنيف فيتش
خفّضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني علامة لبنان من «B-» إلى «CCC+». وعلّلت الوكالة هذا التخفيض بالضغط المرتفع على نظام تمويل لبنان مع ارتفاع المخاطر التي تضغط على خدمة الدين العام. أيضا هناك ضغط سلبي على الودائع المصرفية وعلى احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية والتعلّق المتزايد بالهندسات المالية، والتي تهدف إلى جذب رؤوس الأموال مما يدلّ على زيادة الضغط على التمويل. وتعتبر الوكالة أن الحكومة اللبنانية تتموّل بشكل رئيسي من المصرف المركزي في السوق الداخلي وسوق اليوروبوندز.
وتُضيف فيتش أنه على الرغم من الإجراءات المُتخذة حديثا من قبل الحكومة، إلا أنها تفتقد خطّة تطبيق ذات مصداقية لتأمين استقرار الدين العام!
وأضافت فيتش أن لبنان بحاجة إلى رؤوس أموال كبيرة لتمويل العجز في الموازنة وفي الميزان الجاري، وقدّرت هذه الحاجة بـ 24% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2019، في حين أن إجمالي الودائع في المصارف التجارية انخفض من حزيران 2018 وحتى حزيران 2019، وارتفعت الودائع بالعملات الأجنبية بنسبة 3.6% في حزيران 2019 بسبب تحويل قسم من الودائع بالليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي في اقتصاد تبلغ نسبة الدولرة فيه 71.5%، أما في ما يخص ودائع غير المقيمين، فقد بلغت 5.8% في تموز بفضل الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان، إلا أنها تنخفض إلى 3% إذا ما حسمنا منها الفوائد.
وتُضيف فيتش أنه تقليديا الودائع تنجذب إلى لبنان نظرا إلى المصداقية الكبيرة لسعر الصرف الثابت، حرية تنقل رؤوس الأموال والفوائد على الودائع. وتعزو فيتش ضعف الثقة في هذا الأمر حاليا إلى عدم الثبات السياسي وعدم فعالية الحكومات المُتعاقبة، والتآكل في النمو الاقتصادي والمخاطر الجيوسياسية، خصوصًا الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران (وحزب الله) كما وضعف العلاقات مع دول الخليج.
وذكّرت فيتش أنه في كانون الثاني الماضي، صرّح وزير المال عن إمكانية إعادة هيكلة الدين العام للتخفيف من خدمة الدين العام، هذا التصريح تمّ سحبه لاحقا وبقيت مخاوف المودعين. وزاد الطين بلّة التباطؤ في إقرار الموازنة والتعطيل الأخير.
وتوقّعت فيتش أن تدفع حاجة الدولة إلى تمويل عجز الميزان الجاري (20% من الناتج المحلّي الإجمالي) إلى خفض إحتياط مصرف لبنان (باستثناء الذهب والأصول المالية في العملات الأخرى) إلى 29 مليار دولار أميركي في نهاية العام الجاري، أما في العامين 2020 و2021 فسيكون الانخفاض 3 مليار دولار أميركي سنويا.
وتوقّعت فيتش أن يعمد مصرف لبنان إلى بيع قسم كبير من الـ 3.8 مليار دولار أميركي من الأصول الأجنبية الأخرى (باستثناء الـ 2.9 مليار دولار أميركي من سندات اليوروبوندز). وأشادت فيتش بالسياسة الاحترازية لمصرف لبنان من ناحية أن مُعظم الأصول الأجنبية هي أصول سائلة، وهذا الأمر يُخفف من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف التجارية البالغة 62 مليار دولار، مُحذّرة من سيناريو زيادة الطلب على الودائع.
ستاندارد آند بورز تُحافظ على تصنيف لبنان
«حافظت ستاندارد آند بورز على تصنيف لبنان الائتماني «B-» وعللت هذا الأمر بعدة عوامل، إلا أن أهم ما استنتجته، هو أنه على الرغم من مواصلة احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان بالتراجع، إلا أنها ستبقى كافية لتمويل حاجات الحكومة للاقتراض والعجز الخارجي للبلاد على مدار العام المقبل.
وقالت ستاندارد آند بورز أن ثقة المستثمرين في لبنان تراجعت بشكل كبير كما يُثبته خروج رؤوس الأموال من لبنان وقالت ان المستثمرين غير المقيمين حذرون وسيبقون كذلك، إلا إذا تخطّت الحكومة الخلافات السياسية، ووضعت إصلاحات هيكلية لخفض العجز في الموازنة وتحسين مناخ الأعمال.
بيان وزارة المال
أعلنت «وزارة المالية» في بيان أن «وكالة ستاندرد اند بورز اصدرت للتصنيف الائتماني تقريرها الدوري، وقررت على إبقاء تصنيف الدولة اللبنانية على ما هو (B- مع نظرة سلبية) خلافاً للتهويلات والتحليلات»، وأشارت الى أن «الوكالة بلّغت وزير المالية «علي حسن خليل» أن قرارها مستنداً الى نقطتين اساسيتين: بدء الإصلاحات الهيكلية في «المالية العامة» في موازنة 2016 والتي ستستكمل بإصلاحات جديدة في موازنة 2020 وخاصةً في «الجمارك» والمشتريات ونظام التقاعد والتهرب الضريبي و«قطاع الكهرباء»، مما سيخفض عجز «الموازنة» برأيها تدريجياً إلى 4.8 في المئة من الناتج القومي في العام 2020. تتوقع الشركة استمرار «مصرف لبنان» في القدرة على الدفاع عن الليرة من خلال احتياطه، وأكدت الشركة أيضاً ضرورة تنفيذ الإصلاحات المرجوة بوتيرة سريعة وخلق الجو السياسي المناسب لتحريك العجلة الإقتصادية» .
ولفتت الوزارة الى أنه «بالمقابل، اصدرت «وكالة فيتش» للتصنيف الإئتماني تقريرها الدوري أيضاً الذي قررت فيه خفض تصنيف «الدولة اللبنانية» مرتبة واحدة من «B-» إلى «CCC».
وجاء هذا التصنيف نتيجة التحديات الناجمة عن ازدياد ضغط التمويل الخارجي من جراء انخفاض تدفق الودائع في «القطاع المصرفي» والبطء في تطبيق «خطة الكهرباء»، والتقرير أشار الى أن الإجراءات التقشفية في موازنة 2019 ملحوظة، ولكن هنالك تطلع إلى خطة طويلة الأمد للسيطرة على ارتفاع الدين كنسبة من الناتج القومي» .
وأوضحت وزارة المال أن «التقرير لحظ العمل الجدي حول موازنة 2020 والتزام الدولة باقرارها في وقتها، ولكن تشكك الوكالة في التقلبات السياسية المتكررة التي قد تؤدي إلى التأخر في تنفيذ السياسات الاقتصادية المرجوة».
وأشارت إلى أن «هذا التصنيف هو تذكير للبنان أن عمل «الحكومة» ليس ترفاً بل ضرورة قصوى في المرحلة القادمة، بما يتضمن من أهمية مناقشة موازنة 2020 وإحالتها إلى «مجلس النواب»، الإسراع في تنفيذ خطة الكهرباء، مكافحة التهرب الضريبي وإطلاق العجلة الاقتصادية من خلال مقررات «البيان الوزاري». وشددت على أن «هذين التصنيفين هما تذكيرٌ بأهمية تخفيض «العجز» وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي بدأنا بها وسنزيد وتيرتها في موازنة 2020 وما بعد، وكتذكير أن لبنان لديه القدرة على تجاوز الصعاب فيجب عدم التراخي للحظة واحدة» .
مواجهة التصنيف الائتماني
خفض تصنيف لبنان الائتماني اليوم من قبل فيتش، يزيد الضغط على الحكومة اللبنانية التي لم تعد تملك هامشاً مالياً وزمنياً لتطبيق الإصلاحات المالية « الإقتصادية « الإدارية بحكم أن أي إصلاح يحتاج إلى وقت ليُعطي مفعوله على الأرض.
وبغض النظر عن نتائج التصنيف، يستطيع لبنان مواجهة هذا التصنيف على الآمد القصير من خلال مواجهة أربعة تحدّيات:
التحدّي الأول «ويتمثّل باستعادة ثقة المجتمع الدولي بالحكومة اللبنانية (على الصعيد المالي والاقتصادي) من خلال إقرار موازنة العام 2020 في المهل الدستورية والالتزام بتطبيق موازنة العام 2019 بحذافيرها، فهذه الثقة تمّ فقدانها على اثر تطبيق موازنة العام 2018 والتي كان العجز المتوقّع فيها 4.8 مليار دولار أميركي، فإذ بالمحقق يفوق الـ 6.2 مليار دولار أميركي.
التحدّي الثاني «يتمثّل باستعادة السيطرة على ميزان المدفوعات من خلال السيطرة على الميزان التجاري، فقد تخطّى عجز ميزان المدفوعات الـ 5 مليارات دولار أميركي في الأشهر الستة من العام الحالي والاستمرار على هذا النحو سيؤدّي إلى الهلاك، من هنا أهمية خفض الاستيراد من خلال تطبيق دقيق للرسم الجمركي على البضائع المستوردة ومنع التهريب الجمركي.
التحدّي الثالث «ويتمثّل باستعادة ثقة المستثمرين وجذب الاستثمارات، فلبنان شبه محروم من الاستثمارات منذ فترة طويلة (2011)، وبالتالي فإن جذب استثمارات سيدر واستثمارات أجنبية مباشرة إلى لبنان سيكون تحدياً كبيراً للحكومة، ويفرض عدداً من الخطوات على رأسها استقلالية القضاء وتحسين مناخ الأعمال ومشاريع البنى التحتية ومحاربة الفساد.
التحدّي الرابع «ويتمثّل باستعادة ثقة المُستهلك بالإنتاج المحلّي، وهذا الأمر يفرض عدداً من الخطوات السريعة التي تسمح بإنعاش الشركات، وتحفيز سوق العمل وتسمح برفع الناتج المحلّي الإجمالي الى المستوى نفسه من الاستهلاك عبر تحويله من الخارج إلى الداخل.
هذه الخطوات، إذا ما تمّ أخذها بالإضافة إلى ورقة بعبدا المالية والاقتصادية، كفيلة بعبور لبنان إلى برّ الأمان واستعادة تصنيف لبنان في العام 2009. جلّ ما هو مطلوب التهدئة السياسية وتفضيل المصلحة العامّة على المصالح الخاصة.
الليرة مُستقرّة
على صعيد آخر، عدل قسم كبير من مكاتب الصيرفة وتحويل الأموال عن بيع الدولار، وأغلب الاحتمالات تخوفا من التبعات القانونية، كما أعلنت نقابة الصيارفة الإضراب المفتوح بسبب تحويلها إلى كبش محرقة.
في المقابل، يُحافظ سعر صرف الليرة في التبادل بين المصارف على مستواه مع تداول داخل الهامش الرسمي المفروض من قبل مصرف لبنان. الجدير ذكره أن الحكم الأكبر لتداول الدولار مقابل الليرة اللبنانية يتمّ بين المصارف.
المصدر: بروفسور جاسم عجاقة