ادّعى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم على محافظ بيروت السابق القاضي زياد شبيب بجرم هدر المال العام مع علمه بالأمر، بعد صفقة قام بها بقيمة نحو 10 مليارات ليرة (أكثر من ستة ملايين دولار) بشأن تلزيم أعمال الزراعة والصيانة بدائرة الحدائق في بلديّة بيروت بين عامي 2018 و2019. وتبيّن في التحقيقات أنّ هذه الأعمال لم تُنفّذ وفق دفتر الشروط الذي وضعه مجلس بلدية بيروت
كان يفترض ببيروت أن تتحوّل إلى مدينة خضراء. هذا كان المخطّط الذي على أساسه صرف مجلس بلدية بيروت عام 2018 نحو 10 مليارات ليرة؛ أزهار من شتى الأنواع الأجنبيّة كـ«سينيرير» و«سوسي» ومنتور… وأشجار زيتون وصنوبر وزنزلخت وماغنوليا وغريفيليا وخروب… كلها كان يجب أن تُزرع في الحدائق والوسطيات وجزر الطرقات، إلا أنّها ذهبت إلى الجيوب. بل إنّ بعض الأشجار تُركت في حرج بيروت بعد شرائها حتى ماتت من العطش، فيما كان سعر الشجرة الواحدة منها، كالغريفيليا، يصل إلى أكثر من 280 ألف ليرة (نحو 94 دولاراً آنذاك).
هكذا، تمت الاستعاضة عن حملة تشجير العاصمة بين عامين 2018 و2019 بفتح مزراب للهدر والفساد والتنفيعات والمحسوبيات، وفق ما أشارت إليه اللجنة القانونيّة في «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» بعدما تقدّم المحامون: علي كمال عباس، هاني الأحمديّة، واصف الحركة وجاد طعمة بإخبارٍ عام 2020، يتضمّن معلومات ومستندات عن مخالفات قام بها محافظ بيروت السابق القاضي زياد شبيب الذي ادّعى عليه النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم بجرم هدر المال العام وأحال الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت، بعدما استمع إلى شهادات أعضاء في المجلس البلدي ومهندسين وقّعوا على هذه الصفقة.
ما يثير الريبة أكثر هو أن عمليّة تلزيم لأعمال الزراعة والصيانة في دائرة الحدائق في بلديّة بيروت (بما فيها صيانة المزروعات والكهرباء وأعمدة الإنارة والريغارات والمجاري والأقنية والمقاعد وسلال المهملات والسور والبوابات والألعاب والحمامات وتأمين النواطير)، ليست الأولى من نوعها مع المتعهد نفسه الذي يُعد «متعهد بلدية بيروت» ويندر أن لا ترسو المناقصات إلا على شركته «هايكون»، خصوصاً أن صاحبها عماد الخطيب كان في حينه مقرّباً من الرئيس سعد الحريري وترشّح على لائحته عن دائرة الجنوب الثالثة عام 2018.
الفضيحة الكبرى كانت بعدما انكشفت خيوط اللعبة، ليتبيّن أنّ «هايكون» لم تكن هي الشركة المُنفّذة بل لزّمت الأعمال إلى شركة خليل زيدان مقابل 20% من المبلغ الذي قبضته من البلدية، لتكون حصة الـ80% ربحاً صافياً ومن دون أي تعب، بل «بمثابة عمولة وسرقة مكشوفة»، بحسب الإخبار، ورفض بعدها المجلس البلدي التجديد لشركة «هايكون».
في المقابل، يؤكّد شبيب لـ«الأخبار» أنّه لم يطّلع على الملف ولم يسمع به إلا عبر الإعلام، مشدداً على أن لا صحة لما يتردّد بأن الأعمال لم تُنفّذ «بل كل ما تم الاتفاق عليه تم تنفيذه وهذا ما يظهر بشكلٍ واضح من خلال الصور التي وثّقت هذه العمليّة في كل شارع ومنطقة وحديقة، بالإضافة إلى محاضر التسلّم». ويضيف: «كل الأشجار التي تم شراؤها زُرعت في المكان المناسب، فيما بقي عدد من أشجار الزيتون التي تردّد أنها كانت مسروقة. وبعد البحث عنها تبيّن أنها موجودة في مشتل تابع للبلديّة ولم تُزرع لأنّ دائرة الحدائق في البلديّة لم تُخصّص لها مكاناً بسبب عدم وجود الأماكن لها بعدما تمت زراعة الأشجار الأُخرى».
أما «المرصد» فيؤكّد محاموه «وجود هدر وصرف عشوائي لأموال بلدية بيروت بهدف تحقيق تنفيعات ومكتسبات خاصة مخالفة للقانون على حساب واجب تحقيق المنفعة العامة والشفافيّة في صرف هذه الأموال العامة دون أي التفاف أو تحايل أو إساءة، كونها تُشكّل أموال مكلفي بلدية بيروت الذين يوفون البلدية الرسوم كافة على اختلافها، ولهم الحق في المطالبة بصرف هذه الأموال بما يخدم ازدهار وتطوّر وإنماء المدينة، وليس صرفها للتنفيعات والمحسوبيات بما تخفيه من اختلاسات وسرقات تستوجب فتح التحقيقات اللازمة لكشف مزاريب الهدر والفساد».
كيف بدأ الهدر؟
وفي التفاصيل، أنّه في بداية عام 2018 تم إصدار دفتر شروط تناول مختلف الأعمال المطلوبة بشأن الزراعة والصيانة وأنواعها ومواصفاتها وعددها، بالإضافة إلى المؤهلات المطلوبة في المتعهد الذي يرغب في المشاركة في المناقصة المتعلقة بها. وحُددت قيمة المناقصة بتسعة مليارات و586 مليوناً و986 ألفاً و528 ليرة بعد أن وافق المجلس البلدي في 1 شباط 2018 على دفتر الشروط بموجب قراره الرقم 115 مشترطاً أن يكون معظم العمال من اللبنانيين.
وبالفعل تم إجراء المناقصة التي رست على «هايكون» قبل أن يصدر المجلس البلدي قراراً في 14 أيار 2018 يحمل الرقم 380 بالموافقة على نتيجة المناقصة لتتم إحالته إلى محافظ مدينة بيروت آنذاك (شبيب) الذي يتولى مهمة التنفيذ والإشراف على المشروع بتاريخ 29 أيار 2018، فوقّع شبيب على الموافقة وأحالها إلى دائرة التصفية. كما وافق ديوان المحاسبة على التلزيم الحاصل بموجب قراره الرقم 1622/ر.م. باستثناء ما أضافه مجلس البلدية على دفتر الشروط بشأن العمال.
وعليه، بوشر بتنفيذ التلزيم وتوقيع محاضر التسلّم والصرف من قبل اللجنة المؤلفة من المهندس بيار الفغالي والأعضاء ربيع حيدر ومحمد دوغان ورئيسة دائرة الحدائق مايا الرحباني، بالإضافة إلى شبيب. وتم الحصول على 12 محضر تسلّم لأعمال زراعة في مناطف مختلفة وتسديد مبالغ طائلة مقابلها.
ويشدّد المحامون الذين تقدّموا بالإخبار أنه «بعد التدقيق في الأعمال المطلوبة وأنواع الأشجار المطلوب زراعتها وفي مناطق مختلفة، تبيّن عدم التقيّد بمضمون دفتر الشروط، لا بل تم تسلّم أعمال وصرف مبالغ عنها ولم تُنفّذ على الإطلاق. وأشار إلى أن البيان الذي ورد من بلدية بيروت رداً على التقرير الذي نُشر في «الأخبار» في 1 كانون الأول 2020 يؤكد اختلاس المال العام وعدم التقيّد بدفتر الشروط وبالتالي ثبوت هدر وتبديد أموال بلدية بيروت بشكل مريب ومشبوه»، معتبرين أن «الهدر حصل من دون التقيّد بأحكام قانون البلديات وقانون المحاسبة العمومية والقوانين المرعية الإجراء وبدفتر شروط واضح وصريح. وحيث إن ما يحصل ينطبق على جرائم الإخلال بالواجبات الوظيفية واستثمارها لأهداف ومكاسب خاصة واختلاس الأموال العامة المنصوص والمعاقب عليها في المواد 351 إلى 366 من قانون العقوبات».
كل هذه التفاصيل والمستندات التي تم تقديمها في 3 كانون الأول 2020، بما فيها دفتر الشروط والمبالغ المدفوعة بالإضافة إلى محاضر الصرف والتسلّم، أدّت في النتيجة إلى ادّعاء إبراهيم على شبيب بجرم هدر المال العام مع علمه بالأمر بحسب المادة 363 عقوبات.