“أوفِّر مصروفي اليومي لشراء المعسّل والفحم.. فالنرجيلة تسليتي الوحيدة بعد إنهاء دروسي اليومية”. بهذه الكلمات اختصرت ن.غ. برنامجها اليومي حسب أولوياتها، الدراسة ثم النرجيلة. فالنرجيلة تتقدم كل شيء ما عدا الدراسة وربما تترافق معها في بعض الأوقات.
ن.غ. وهي فتاة في السابعة عشر من عمرها في سنتها المدرسية الأخيرة (بكالوريا قسم علوم الحياة) لا تضع نفسها بين المدخّنين. “فالنرجيلة للتسلية” على ما تقول، حتى والديّ الفتاة لا يعتبرانها مدخّنة، فهي تموّه عن نفسها عناء الدراسة. وماذا عن السجائر، هل يُسمح لها بتدخين السجائر؟
يرفض والدا ن.غ. رفضاً قاطعاً تدخين ابنتهما السجائر، أما النرجيلة فلا بأس، خصوصاً خلال لقاء العائلة أو الأصحاب. حالة ن.غ. هي حالة الآلاف من الشابات والشباب المراهقين الذين انجروا وراء أفكار ترويجية لمنتجات استهلاكية ترفيهية، من بين الكثير من المنتجات التي غزت لبنان في العقود الماضية.
أما ما يلفت الأنظار اليوم إلى استهلاك النرجيلة فهو تحوّل النرجيلة إلى “تراند” بين فئة الشباب واتساع شريحة مستهلكيها بشكل صادم، في وقت يعاني فيه الغالبية الساحقة من اللبنانيين سوء الحال وتلامس معيشتهم خطر الفقر.
تكلفة النرجيلة
تتكاثر محال تقديم خدمة النرجيلة في المناطق والأحياء، كما يزيد نشاط المطاعم التي تقدّم النرجيلة، وتتقدم بنسبة إشغالها عن تلك التي لا تقدّم النرجيلة، حتى أن شريحة كبيرة من الزبائن تقتصر طلباتها في المطاعم على النرجيلة وكوب الشاي. وهو ما يشير إلى محاولة تقليص الفاتورة من دون الاستغناء عن النرجيلة.
مشهد آخر يبيّن اكتساح مفهوم استهلاك النرجيلة. فالمراهقون مستعدّون للتضحية بأمور حياتية مهمة، من بينها نوع الأكل والملابس والخروج إلى أماكن ترفيهية مقابل تأمين مستلزمات النرجيلة واستهلاكها بشكل يومي. وتقول ف.غ: “من الممكن ان أؤجل شراء ما أحتاجه من الملابس لكن لا يمكنني تأجيل شراء المعسّل. فأنا معتادة على تحضير النرجيلة يومياً”. وتلفت ف.غ. البالغة من العمر 25 عاماً إلى انها توقفت عن استهلاك النرجيلة في المطاعم والمقاهي منذ قرابة العامين، بسبب ارتفاع تكلفتها، وباتت تعتمد على تحضيرها في المنزل للتوفير المادي، لكنها ترفض فكرة التوقف عن استهلاك النرجيلة كلّياً، وإن كان ذلك يخفف العبء المالي عنها.
ويبلغ متوسط استهلاك النرجيلة الواحدة شهرياً نحو 20 دولاراً، باعتبار أن النرجيلة تحتاج أسبوعياً لأكثر من 250 غراماً من المعسّل، وتكلفته تتراوح بين 3 و4 دولارات بالإضافة إلى أكثر من 2 كيلو من الفحم المخصص لها. وتكلفة الكيلو الواحد تتراوح بين 3 دولارات و5 دولارات حسب جودة النوعية.
بناء على هذه الأسعار تبلغ تكلفة النرجيلة شهرياً بالحد الأدنى 22 دولاراً. وهو مبلغ كبير بالمقارنة مع متوسط الرواتب في لبنان اليوم، لاسيما مداخيل موظفي القطاع العام التي لا يزيد متوسطها عن 50 دولاراً شهرياً.
زيادة الإنتاج
في بلد تبلغ فيه الأزمة الاقتصادية ذروتها وتنهار قيمة الرواتب بشكل دراماتيكي، يرتفع حجم استهلاك معسّل النرجيلة، كشكل من أشكال الترفيه البديل، متجاوزاً كل ما يرافق استهلاك النرجيلة من ضرر مادي وصحي وبيئي، ومكرّساً في الوقت عينه حال الخمول الاجتماعي بين شريحة المراهقين.
وحسب أرقام إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، وهي الجهة المعنية حصراً بإنتاج كل منتجات التبغ والتنباك بما فيه المعسّل، والوكيل الحصري لجميع أصناف المصنوعات التبغية المستوردة، لم يتغيّر حجم شريحة مدخّني السجائر في السنوات الأخيرة إنما شريحة مدخّني النرجيلة فقد اتسعت كثيراً وزادت بأكثر من الضعفين.
وفي حين بلغ انتاج معسّل النرجيلة من قبل الريجي عام 2020 نحو 228139 صندوقاً، ارتفع عام 2021 إلى 571754 صندوقاً، وتضاعف العدد عام 2022 وبلغ 592251 صندوقاً، ما يعني أن حجم انتاج المعسّل تضاعف في لبنان بأكثر من الضعفين خلال سنوات الأزمة المالية بين 2020 و2022 ومن غير المستبعد أن يزيد الإنتاج أكثر في السنوات المقبلة.
وحسب رئيس مصلحة المبيعات في الريجي حسين سبيتي، فإن الريجي عمدت إلى تصنيع كافة منتجات المعسّل في السنوات الأخيرة في مصنعها القائم في منطقة البترون، ويشمل إنتاج الريجي للمعسّل العلامات التجارية الأكثر رواجاً في لبنان، من بينها النخلة ومزايا وفاخر. ويؤكد سبيتي أن إنتاج المعسل مربح جداً اذ تتسع سوقه في لبنان. فمدخنو السجائر عددهم ثابت نسبياً ولم يرتفع حجم استهلاكهم البالغ نحو 70 ألف صندوق شهرياً، أما المعسل فاستهلاكه بات واسع جداً في لبنان كما باقي دول العالم ويزيد بشكل مستمر.