سعادة الشامي يروّج لـ”إفلاس” الدولة ومصرف لبنان: هروب احتيالي

يصحّ الحديث عن إفلاس الدولة ومصرف لبنان إن كان كلاماً مجازياً، للتعبير عن عدم امتلاك السيولة والعجز عن الالتزام بمواعيد دفع مستحقات الدائنين. لكن على أرض الواقع، يمكن للدولة تأمين الأموال عبر استغلال أصولها وعقاراتها ومؤسساتها، بغض النظر عن الأسلوب وتعقيدات الاستثمارات. فتلك الممتلكات تُنتج أموالاً. كما أن المصرف المركزي يكتنز ذهباً ومؤسسات وأصولاً يمكن تسييلها، بعيداً أيضاً من الكيفية والسبل القانونية والأخلاقية. لكن في المحصّلة، فراغ جيب الدولة ومصرفها المركزي، غير صحيح.

ومن المستغرب أن يُكرِّر شخص كسعادة الشامي، بمكانة نائب رئيس حكومة والخبير النقدي والمنخرط في مؤسسات مالية دولية، معزوفة إفلاس الدولة للهروب من المسؤولية. فالشامي يعلم بحكم الخبرة العلمية والعملية، أن لا إفلاس للدولة ومصرفها. لكن بحكم موقعه السياسي الحالي، عليه الترويج للإفلاس لدعم تمرير قانون الكابيتال كونترول كأداة سريعة لتسهيل الخروج من الأزمة والتفاوض مع صندوق النقد الدولي. وبات واضحاً أن القانون المطروح ليس سوى إعدام لما تبقّى من ودائع في المصارف. وانتظرت السلطة السياسية لتهريب ما أمكَن من أموال قبل إقرار كابيتال كونترول فارغ المضمون، يبرّىء السلطة والمصارف من الجريمة المرتكبة، وهو ما يدل عليه توقيت ومضمون القانون الحالي.

معالجة الوضع

التسليم بالافلاس يحيل إلى اتّباع القانون للتعويض على المتضرّرين، أي على المودعين بشكل خاص، وكل اللبنانيين بشكل عام. وإذا كان إفلاس شركة ما يستتبع حصر ممتلكاتها وبيعها والدفع لأصحاب الحقوق، فهل يقصد نائب رئيس الحكومة بإعلانه، خلال مقابلة تلفزيونية، إفلاس الدولة والمركزي، نيّة بيع ممتلكات الدولة والتعويض على المتضررين؟

الإجابة تكمن في الحل الذي طرحه الشامي والمتماهي مع قانون الكابيتال كونترول، ويقوم على رفع المسؤولية عن الدولة انطلاقاً من أن إمكانياتها ضئيلة جداً. وبما أننا لا نملك الوقت، وكلفة الانتظار “مرتفعة جداً”، فعلى أحدهم التحمّل أكثر من غيره، وإن بالإكراه. وبما أن “قيمة الودائع الأجنبية في القطاع المصرفي ومصرف لبنان، بالإضافة إلى الذهب، ليست أكثر من 35 مليار دولار”، أي أن المصارف والمركزي لا يستطيعان تأمين السيولة الكافية، فعلى المودعين تكبّد الجزء الأكبر من الحِمل. ولذلك، يقول الشامي “لا نستطيع فتح السحوبات لكل الناس”. ويريد الشامي إقناع المودعين بأن هذه النتيجة هي “حقيقة لا يمكن تجاهلها ولا يمكن أن نعيش في حالة إنكار”.
حجم توزيع الخسائر غير مُحَدَّد بعد. وما عادت النسبة مهمة أمام وضوح المسار الذي لا يحرم المودعين من السحوبات فقط، بل يترك لتلك اللجنة التي ستدير عملية تنفيذ القانون، استنسابية تحديد حجم السحوبات بالدولار أو الليرة أو بمزيج من العملتين، كما كيفية السحب، نقداً أو بالبطاقة أو بمزيج بينهما. أما عدم قبول الكثير من المؤسسات بالبطاقات الائتمانية الصادرة عن المصارف، فيجد الشامي بأنه “تفصيل، ليس وقت الحديث عنه الآن”. أي أن عدم جدوى البطاقة واعتبار المبالغ الموجودة فيها بلا قيمة، لا يستحق البحث.

إفلاس احتيالي

حالة الإنكار الوحيدة الصحيحة في هذه الدوّامة، هي امتلاك الدولة والمصارف للسيولة والأصول التي تحلّ الأزمة، شرط الاعتراف بالمسؤولية. أما القول بأن الدولة مفلسة من دون التطرّق لأصولها وممتلكاتها للتعويض على المتضررين، فهو إفلاس احتيالي لأن المتضرر سيدفع كلفة الانهيار. مع الاشارة إلى أن تنفيذ السحوبات المصرفية، سيتم على سعر منصة صيرفة، أي ستتقلّص قيمة الودائع بأقل من سعر السوق. ما يجلب خسارة إضافية للمودعين.

ويُقر الشامي بأن الافراج عن السحوبات بسعر المنصة “فيه ظلم للناس”، لكن عذره يُحال إلى “السياسات الخاطئة المتّبعة لعقود”. وكأن المودعين هم أصحاب تلك السياسات. وهذا دليل إضافي على أن القصد من الترويج لفكرة الإفلاس هو الاحتيال على المودعين والناس.

من جهة ثانية، كيف لمُفلسٍ معترف بإفلاسه، أن يُدير عملية الخروج من أزمة افتعلها هو. وكيف له أن يُحمِّل الضحية كلفة الخروج استجداءً لتصحيح العلاقة مع صندوق النقد والدائنين الخارجيين. وكيف للصندوق الاقتناع بالافلاس وبمساعدة المفلس رغم اعتماده أساليب الاحتيال نفسها، وأوّلها تشكيل لجنة بعضوية المصارف والمركزي لتحديد سقوف وآليات سحب الودائع؟.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةلبنان يقترب من توحيد «رؤية التعافي»
المقالة القادمةحرق دولارات المركزي: 1.75 مليار في أربعة أشهر