ا بدّ ــــ عند كل مرحلة تزخيم للانهيار ــــ من العودة إلى المنعطف الأساسي: خطة الإنقاذ المالي لحكومة الرئيس حسان دياب. هذه الخطة كانت لتشكّل منطلقاً، رغم كل ما فيها من ثُغَر، للخروج من الأزمة؛ أو على الأقل، كان يمكن تطبيقها أن يخفف من سرعة الانهيار، كما خفض كلفته على المجتمع بصورة عامة، وإنْ بتفاوت بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. وكانت تلك الخطة ستُقرن بقانون لفرض قيود على رأس المال (كابيتال كونترول)، بما يحول دون تهريب أموال كبار القوم، من سياسيين ومصرفيين ومحتكرين ورجال دين… إلى الخارج. لكن «السلطة» قررت تدمير تلك الخطة، عبر عملية غش ممنهج عنوانها أن «الورقة الحكومية تتضمّن أرقاماً مبالغاً بها للخسائر».
وبدلاً من اقتراح خطة بديلة، تولّت إسقاطَ الخطة الحكومية لجنة نيابية برئاسة أمين سرّ تكتل «لبنان القوي»، النائب إبراهيم كنعان. وعاونه في إدارة تلك العملية عضو كتلة التحرير والتنمية ياسين جابر، وعضو كتلة الرئيس نجيب ميقاتي النائب نقولا نحاس. أدّى كنعان مهمته التي كلّفته بها المنظومة الحاكمة، إلى حد أنّ صانع ما يُسمّى «الإبراء المستحيل» تلقّى تهنئة من تيار المستقبل! كان الهدف حماية أصحاب المصارف وكبار المودعين (سياسيون، محتكرون…) من المساهمة مساهمةً جديةً في كلفة الخروج من الأزمة، لأنهم كانوا الأكثر استفادة، على مدى عقود، من كل السياسات التي أوصلت البلد إلى الانهيار الشامل.
المنعطف الجديد اسمه رفع الدعم، وبحث إقرار «بطاقة تمويلية»، تُمنح لجزء من العائلات اللبنانية، لإعانتها على مواجهة تبعات قرار خفض دعم استيراد البنزين والمازوت والغاز والأدوية، بنسب متفاوتة، حيث أنهت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة، أمس، عملها بشأن «البطاقة» التي تُقدّم بصفتها منقذةً للبنانيين من تبعات إلغاء الدعم أو خفضه أو ما يُسمّى «ترشيده». اقترحت اللجنة الآتي:
ــــ العائلات الأكثر فقراً، التي تستفيد من قرض البنك الدولي الذي لم يبدأ توزيعه بعد، ستُمنح ما قرره لها البنك الدولي. بوضوح أكثر، اللبنانيون القابعون في حالة فقر مدقع، وكانوا قبل الانهيار يقفون على حافة الجوع، لن تلتفت إليهم السلطة، بل قررت ترك أمرهم إلى قرض من البنك الدولي يمنحهم عشرات الدولارات شهرياً.
ــــ باقي العائلات التي «تستحقّ دعماً»، والتي لم يُعرف عددها بعد، ستُمنح شهرياً ما معدّله 93 دولاراً أميركياً للعائلة الواحدة.
ــــ كل عائلة يملك أحد أفرادها حساباً مصرفياً يفوق الألف دولار ويقلّ عن الخمسين ألف دولار، لن تحصل على أي دعم.
وليكتمل عمل اللجنة النيابية، أصرّ بعض أعضائها (على رأسهم ياسين جابر ونواب القوات اللبنانية)، على الربط بين إقرار البطاقة ورفع الدعم. القواتيون كانوا يطالبون بإلغاء الدعم كاملاً. أما جابر، وبعض زملائه، فكانوا أكثر «رحمة». طلبوا من الحكومة مشروعاً لما يسمّونه «ترشيد الدعم»، فأتتهم وزيرة الدفاع والخارجية، زينة عكر، بورقة أعدّها زميلها وزير الاقتصاد راوول نعمة، وأقِرَّت في اجتماعات وزارية. تلك الورقة تبشّر بإلغاء كامل للدعم عن المواد الغذائية، وبنسبة 54 في المئة عن الأدوية، و30 في المئة عن الغاز، و40 في المئة عن البنزين، و32 في المئة عن المازوت. وفي حال الالتزام بوصفة راوول نعمة هذه، سيصبح سعر «جرّة» الغاز المنزلي أكثر من 125 ألف ليرة، وأكثر من 179 ألف ليرة لصفيحة المازوت، وأكثر من 192 ألف ليرة لصفيحة البنزين، بحسب الأرقام الواردة في الورقة الوزارية. هذه الأسعار تقترح السلطة مواجهَتها بتوزيع 93 دولاراً شهرياً على عدد محدود من العائلات. وهذه الأسعار لن تقف عند هذا الحد، لأن سعر الدولار بدوره لن يكون له سقف بعد رفع الدعم. جريمة جديدة ستُرتكب، باسم حماية أموال المودعين التي نُهِب أكثر من 85 في المئة منها، كما باسم مكافحة التهريب!