من المفهوم عموماً انّ السوق السوداء او السوق الموازية للسلع والخدمات كما العملات، ينشأ بسبب زيادة الطلب على العرض المؤسس دائماً على اسباب اقتصادية ومالية وسياسية ونفسية.
هكذا لعب سعر الصرف في السوق السوداء دور «الباروميتر» للاقتصاد، عبر اختصار هذه العناصر الاربعة في سعر واحد. الوجه الآخر لمشكلة وجود سوق موازٍ او سوق سوداء في اي عملة، يعود الى فرض سعر مشوّه للعملة بقوة القانون، يخلق الفارق بين اسعار الصرف في سوق واحدة، لأنّ السوق لا يستطيع ان يلبّي كل حاجاته بالسعر المشوّه.
عادةً ما يكون للسلطة النقدية اسباب مختلفه وراء القبول بهذا الفارق. اهم هذه الاسباب هي انّ هذه السلطة لا تريد او لا تستطيع الاستغناء عن سعر الصرف الرسمي، وفي الوقت عينه تريد ان تخفّض حجم الطلب على العملات الاجنبية.
في الاقتصادات التي لا تتعرّض (او تتعرّض بشكل هامشي) للاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، يلعب سعر الصرف العائم الدور المانع لوجود اسواق موازية. مثال ذلك، العملات العائمة التي تختزل كافة المؤشرات المؤثرة في سعر الصرف الرسمي، بما يلغي عملياً اي حاجة للسوق السوداء.
يحتاج ذلك الى بنوك مركزية قوية بما يكفي، والى تنسيق السياسات النقدية والمالية والاقتصادية في الدولة. وعدم وجود هذين الشرطين، وبخاصة الضعف في احتياطات البنك المركزي، يسمحان بنشوء مراكز خارج السلطه النقدية تتحكّم بسعر الصرف في السوق السوداء.
انّ المشكلة التي تعاني منها السيولة في لبنان اليوم، بالعملات الاجنبية كما بالليرة اللبنانية، حوّل هذه المراكز الى سلطة او سلطات نقدية بديلة، في ظلّ ضعف البنك المركزي، وهو ما كنا قد حذّرنا منه منذ انطلاق ازمة شح الدولار وأزمة شح الليرة (التي برزت مع التعميم الوسيط الرقم 573).
يُعتبر الهبوط الاخير في سعر صرف الدولار في السوق السوداء من حوالى 9000 ليرة الى ما دون 7000 ليرة، اختباراً قوياً لميزان القوى في السوق السوداء. فإذا كنت قادراً على احتكار السيولة بالدولار ولديك مخزون واسع من السيولة بالليرة، فأنت تستطيع ان تتلاعب بسعر الصرف في السوق السوداء.