قبل الأزمة الاقتصادية عام 2019، كان الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة العامة قد بلغ ما يقارب من 6238 مليار ليرة، نحو 4.13 مليار دولار، أي أن نصيب الفرد في لبنان بلغ حينها ما يقارب من 1000 دولار أميركي. ورغم ذلك، لم يكن المواطن قادراً على الحصول على الطبابة اللازمة، وكانت المحسوبية تلعب دوراً كبيراً لحصول المريض على سرير في المستشفيات اللبنانية.
اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بدء الأزمة، ومع انخفاض الإنفاق الحكومي على الصحة العامة بنسبة تتجاوز 40 في المائة (بحسب تصريح سابق لوزير الصحة العامة فراس الأبيض)، بات من شبه المستحيل على اللبنانيين الحصول على حقهم بالطبابة.
الحديث عن خفض الإنفاق الحكومي على الصحة العامة، قد لا يكون أمراً جديداً، ولكن انعكاسات ذلك على المواطنين باتت واضحة بشكل لافت للانتباه.
بالأرقام، ووفق الإحصاءات الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، يعجز أكثر من 75 في المائة من اللبنانيين عن تأمين الانفاق الصحي، وتعجز ثلاثة أرباع الأسر الإنفاق على العلاج الصحي، مقارنة بـ 6 من كل 10 في العام الماضي، وهو ما يدفع العائلات إما إلى تأجيل الرعاية الصحية، واستخدام الأدوية البديلة، أو طلب المساعدات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تضج بكم القصص الإنسانية للحصول على الدعم المالي للاستشفاء.
من 900 إلى 600 ألف مؤَمَّن!
المؤسسات الضامنة في لبنان، وتحديداً صندوق الضمان الاجتماعي او تعاونية موظفي الدولة، تستهدف فئة معينة من اللبنانيين التي بدورها لم تسلم أيضاً من تأثيرات الأزمة. يصف عبد الهادي الأحمد سائق سيارة أجرة، صعوبة الحصول على الدواء أو الدخول إلى المستشفى عن طريق الضمان الاجتماعي. يقول لـ “المدن”: في حال تمكنت من الحصول على سرير في المستشفيات، فلن أكون قادراً على تسديد فرق الضمان، ذلك أن أسعار المستشفيات بالدولار، فيما تسعيرة الضمان لا تزال بالليرة اللبنانية”. ومن هنا، حاول الأحمد مراراً الحصول على العلاج المؤقت لأوجاع تتعلق بعظام الرقبة والظهر من خلال المستوصفات، وتخلى تماماً عن فكرة إجراء عملية جراحية.
إضافة إلى هذه المؤسسات، كانت شركات التأمين تلعب دوراً في تأمين التغطية الصحية، خاصة للطبقات المتوسطة والميسورة، إلا أن الحصول على تأمينات صحية باتت مكلفة جداً. ويبدأ سعر البوليصة من 1200 دولار أي ما يقارب من 120 مليون ليرة تقريباً.
يلفت نقيب شركات التأمين في لبنان أسعد ميرزا في حديثه لـ “المدن” إلى أن شركات التأمين كانت ولا تزال الملاذ الأخير للمواطن للحصول على خدمات استشفائية، وزادت أهميتها بعد عجز الضمان عن تأمين الاستشفاء، لكن “هذه الأهمية لشركات التأمين” ليست متاحة لجميع اللبنانيين بحسب تعبيره. ويقول “انخفض عدد المنتسبين إلى شركات التأمين بشكل لافت منذ العام 2019، إذ وبحسب البيانات هناك ما يقارب من 600 ألف مشترك مقارنة مع 900 ألف في العام 2019.
يضيف ” بشكل عام، انخفضت قيمة الاشتراكات السنوية الخاصة ببوالص الاستشفاء بنسبة تتعدى 40 في المائة، كما خفض نحو 30 في المائة من المشتركين، تصنيفهم التأميني من الدرجة الأولى إلى الثانية، وحتى الثالثة، فيما استغنى ما لا يقل عن 35 في المائة عن الحصول على بوالص تأمين، إثر عجز الشركات عن تخفيض الاشتراكات بعد رفع تعرفة الاستشفاء في المستشفيات.
وأوضح ميرزا أن قسماً كبيراً بدأ يتنازل عن بعض الخدمات التأمينية مقابل تخفيض كلفة الاشتراك السنوي، وهناك من فضل أن يكون التأمين فقط لدفع تكاليف إجراء عمليات جراحية، دون الحاجة إلى تغطية كشوفات الطبيب والحصول على الأدوية.
الاستغناء عن التغطية الصحية، دفع العديد من المواطنين الى الحصول على الطبابة بشكل عشوائي. تقول هنادي خير الدين:” في الكثير من الاحيان، نستخدم المسكنات ، وبعض الأدوية المعروفة مسبقاً لعلاج نزلات البرد، دون الحاجة لزيارة طبيب”، وتشير الى أنها تلجأ الى العلاج الطبيعي أيضاً في حال لم تتمكن من الحصول على الأدوية، من خلال تناول المشروبات الساخنة، وبعض الأعشاب.
وسائل التواصل
الأزمة الاقتصادية والعجز عن الطبابة، دفعت الكثير من العائلات إلى اللجوء الى صفحات التواصل الاجتماعي، للحصول على الدعم المادي بهدف الاستشفاء. تعج العديد من الصفحات بكم التغريدات والمنشورات التي تطالب بتأمين مبلغ مالي، في أحيان كثيرة لا يتخطى 300 دولار لإجراء عملية، أو لشراء أدوية مزمنة. تؤكد والدة شاب، تعرض لحادث وتتطلب ذلك تأمين 4500 دولار لإجراء العمليات، وشراء المعدات. تقول لـ “المدن”:” تعرض ابني لحادث، ولم أتمكن من تأمين المبلغ، فكانت وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض المؤسسات الخيرية الملاذ الأخير حتى تمكن أبني من إجراء العملية الجراحية”.