يوم واحد فقط يفصل حاكم مصرف لبنان، رياض توفيق سلامة، عن موعد انتهاء ولايته، بعدما بات مستبعداً التمديد له. ففي هذا اليوم تحديداً، ستنتهي رحلته داخل منجم الذهب في منطقة الحمراء، لينتقل بعدها نحو منطقة الصفرا. هناك، قد يضطر للاهتمام بأمور أخرى جديدة، بعيدة عن السياسة النقدية والاصلاحات المصرفية وسندات اليوروبوند وعمل البنوك، كالإعتناء بالحدائق المحيطة بمنزله، والاهتمام ببعض الشؤون العائلية وما إلى هنالك.
نحو كسروان.
منذ نحو الأسبوع، أفرغ الحاكم محتويات مكتبه، وحزم أمتعته، وأخرجها من المصرف المركزي، تحضيراً لرحيله اليوم. وبذلك يكون سلامة قد طوى ثلاثين عاماً من حاكمية مصرف لبنان وكأن شيئاً لم يَكن.
ببساطة، قبل انتهاء ولايته، تنصل سلامة من الانهيار الاقتصادي على الشاشات التلفزيونية، وتهرّب من الجرائم المتهم بها، وها هي ولايته تصل إلى حلقتها الأخيرة، وها هو يتجهز للرحيل واثقاً بأن لا مُحاسبة ستطاله، وموقناً بأن المساءلة التي خضع لها داخل قصر عدل بيروت، لن تؤدي حتى الساعة، إلى أي حالة استنفار قضائي أو شعبي.
في التفاصيل، حصلت “المدن” على معلومات تُفيد أن الحاكم المنتهية ولايته يوم الإثنين، 31 تموز الجاري، يستعد للانتقال من بيروت نحو منطقة الصفرا، وهي قرية ساحلية في قضاء كسروان، يمتلك فيها مجموعة من العقارات الفارهة، وتضم عدداً لا يُستهان به من “الفلل” الفخمة. إذ قام بتجهيزها منذ فترة للسكن فيها، بعدما باتت إمكانية مُغادرته الأراضي اللبنانيّة -بصورة قانونية- غير ممكنة، نظراً لمصادرة القضاء اللبناني لجوازي سفره اللبناني والأجنبي ومنعه من السفر.
كسروان، كغيرها من الأقضية، تضمّ العديد من العقارات التي سجلت باسم عائلة سلامة، وهي جزء ضئيل من العقارات التّي يملكها هو وعائلته والمُقربين منه في لبنان والخارج، التي سبق ونشرنا في “المدن” تقارير مفصلة تتعلق بعقاراته على الأراضي اللبنانية وخارجها.
شركة أمنية لحمايته
واللافت كان بالعقارات الموجودة في قرية الصفرا، أنها ستكون مُحاطة بأكملها بعناصر أمنية. حيث علمت “المدن” من مصادر مطلعة، بأن الحاكم استعان بمجموعة كبيرة من العناصر الأمنية التابعة لشركات الحماية الشخصية الخاصة، أي شركات الأمن الذاتي، على أن تكون مهمة هذه العناصر مواكبة سلامة في تحركاته وتأمين حمايته الشخصية وحراسته على مدار الساعة مُقابل أجر مادي حتماً سيكون ضخماً.
السبب المُحتمل والمتوقع لهذه الإجراءات الأمنية المُشددة نابع من تخوف سلامة على حياته الشخصية، والتعرض له بعد انتهاء الحاكمية غداً. وهذا ما يثبت مُجدداً أن الحاكم المتهم بتبييض الأموال والاختلاس واستغلال الوظيفة، وفوقها التسبب بالكارثة المالية، لا يمتلك الشجاعة والجرأة الكافية للتنقل بحرية من دون العناصر الأمنية، إن كان إلى قصر عدل بيروت أو إلى مكتبه داخل المصرف المركزي وصولاً إلى سكنه الجديد. والسؤال الأهم: هل ستبقى العناصر الأمنية التابعة للدولة اللبنانية تعمل على حماية سلامة وتواكبه في تحركاته بعد يوم غد؟
سليم الخليل يستعد للسفر
في المقابل، يبدو أن الحاكم ليس وحده الخائف، بل إن شركاءه وأعوانه في سياسته الاقتصادية وهندسته المالية بدأ يظهر عليهم القلق نفسه.
المعلومات تشير إلى أن المدعو سليم الخليل، الذي يُعرف بأنه صلّة الوصل بين المصرف المركزي وصرافي السوق السوداء للدولار، في طور تجهيز أغراضه للسفر خارج لبنان نحو إحدى الدول الأوروبية، بعدما تمكن من الحصول على الإقامة فيها. وحسب المعلومات المتوافرة، فإن الخليل، وهو كاتب عدل سابق، دخل السوق السوداء، في خضم الأزمة الاقتصادية، وبدأ بالعمل في مجال “الشيكات المصرفيّة”، حيث عُرف بأنه الموزع الأول والأهم والأعرق للشيكات في لبنان، وعلى علاقة وثيقة بالحاكم. ونظراً لأهمية مركزه، ترددت معلومات حوله تفيد أنه يمتلك عقاراً في وسط البلد. وهو عبارة عن مستودع ضخم لمتابعة “أعماله المصرفية”، ويتمتع بحماية أمنية مُشددة كتلك التي تحمي الحاكم! ومن المهم الإشارة إلى أن الخليل قد حزم أمتعته وبات مُستعداً لمغادرة الأراضي اللبنانية يوم غد، لأسباب قد تكون مجهولة.
والسّؤال البديهي في هذه المرحلة: لمن تعود أموال الخليل؟ هل سيخرج من البلاد بتغطية أمنية من الحاكم وكأن شيئاً لم يكن؟ هل تورّط مع سلامة؟ لا أحد يعلم.
دور نبيل عون
في السياق نفسه، ذكر سابقاً خلال جلسات الاستجواب الأوروبية، اسم صديق الحاكم، نبيل عون، المعروف بأنه معاونه ومن المقربين منه، والذي كان على معرفة به قبل تعيينه حاكماً للمصرف المركزي، وهو الرئيس السابق لجمعية الوسطاء الماليين اللبنانيين، والذي سبق وأن ذُكر اسمه في الإستنابات القضائية الأوروبية، وطُلب لجلسات الاستجواب خلال زيارة الوفود الأوروبية لبيروت منذ عدة أشهر، على اعتبار أنه أحد السماسرة الرئيسيين العاملين مع سلامة، كما ذكر اسمه في التقرير البريطاني عام 2021، الذي أعدته مؤسسة “غرنيكا 37″، حيث أفادت بأن عون كان قد تعامل مع شركة يملكها نجل الحاكم، ندي سلامة، متعلقة بالاستثمارات والتوظيفات مع بنك عودة تدعى “كروس بريدج كابيتال”، كما أنه يتابع عمله الأساسي في سوق الأوراق المالية بسويسرا. وحسب المعلومات، فإن الفضل يعود إليه في تعليم وتلقين مساعدة الحاكم، ماريان الحويك، فنون العمل المصرفي. إذ ذُكر في التحقيقات الفرنسية التي أجرتها القاضية الفرنسية أود بوروسي مع الحويك، بأن الحاكم قد طلب من صديقه نبيل عون مساعدتها وإرشادها في بعض الأمور المصرفية، إلى أن أصبحت الحويك من أفضل تلامذة عون، التي امتلكت خبرة كافية ولافتة في عالم الأرقام والأعمال المصرفية.
شفيق أبي اللمع.. سمسار سلامة
في السياق نفسه، ذكر في التحقيقات الأوروبية أيضاً اسم صهر سلامة السّابق، المحامي شفيق أبي اللمع، الذي تردد اسمه خلال جلسات استجواب الشهود، إذ هو من “المشتبه بهم” بتورطه بأعمال الحاكم لسنوات طويلة، حين عمل كسمسار لتوزيع تراخيص المؤسسات المصرفية، كما أفادت معلومات بأن ثروته قد تجاوزت ملايين الدولارات الأميركية في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال من الأسماء المشتبه بها، نظراً لفترات عمله الطويلة مع الحاكم الذي أغرقه بالثقة والمحبة.
خلال الأسابيع المقبلة، قد تثبت التحقيقات الأوروبية تورط مجموعة كبيرة من أعوان الحاكم بأعماله، فتؤكد بأنها تشاركت مع سلامة في عمليات تمرير الأموال التي أدت إلى إفلاس اللبنانيين بطريقة ممنهجة، والتي نتج عنها سرقة ودائعهم وعدم الاعتراف بمكان وجودها الحقيقي.
غداً سيرحل سلامة من دون مساءلة جدية من الدولة اللبنانية. سيرحل سلامة وتُطوى صفحته، فيما حقوق اللبنانيين والدولة اللبنانية أيضاً ستبقى مؤجلة، حتّى يصل قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا إلى خلاصة تحقيقاته، ليؤكد إن كان الحاكم قد تورط بقضايا الاختلاس أم لا، في حين أن التحقيقات الأوروبية كانت قد توسعت بشكل لافت مؤكدةً بأن ثروة الحاكم غير مبررة، والمتوقع أنها ناتجة من عمليات احتيال وغسيل أموال.