سلامة: الليرة مستقرة وكل ما يحكى عن تحرير سعرها من الخيال!

كعادته يستقبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة زواره في مكتبه في مقر البنك المركزي بضحكة تحمل الكثير من التطمين والتفاؤل في زمن قلّ فيه الأمل والاطمئنان، وفي زمن ينتظر فيه اللبناني كلمة من مسؤول تحمل بعض الإيجابية حول المرحلة المقبلة، بعيداً من كل ما يحكى عن “انهيار” و”تعثر”. تطول جلسة حاكم المركزي، طارحاً بالأرقام والتحاليل الوضع النقدي والمصرفي مروراً بالإصلاحات وغيرها من الملفات.

أقرّت موازنة العام 2019 ورحبت بها الجهات الدولية ومنها البنك الدولي حيث اعتبر مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جا أن “لبنان قد أقر موازنة تهدف الى تحقيق تخفيضات مالية معبّرة في العجز والإنفاق، والانخراط في حوار وطني كامل بين الحكومة والبرلمان”. ورأى أنّها “خطوة أولى جيدة”، قائلاً: “المناقشات الواسعة، الفريدة من نوعها في المنطقة، مرحب بها”. أقرت الموازنة بعيداً من كل ما حكي عن دور المصارف في تأمين وفر مالي إضافي بعدما رفضت هذه المصارف اقتراح اكتتابها بسندات بقيمة 11 الف مليار ليرة بفائدة 1% بالإضافة الى رفض مصرف لبنان تحمله وحيداً هذه العملية المالية لما تحمل من مخاطر مالية ونقدية، وبعد تحذيرات أطلقتها أيضاً مؤسسات دولية حيال هذه الخطوة ومن أهمها صندوق النقد الدولي وبخاصة أن موازنة 2019 تضمن تعهداً بتخفيض تكلفة خدمة الدين العام بألف مليار ليرة لبنانية، أي ما يقارب 700 مليون دولار.

تخفيض كلفة الدين

يؤكد سلامة أنّ الأسواق تنظر أيضاً نحو المستقبل، معتبراً أنّ الجهود التي تقوم بها الحكومة لضبط العجز وتخفيض نسبته مقارنة بالناتج المحلي، بغض النظر عن نسبة التخفيض، هي إشارة إيجابية ستدرك الجهات الخارجية، مستقبلاً، مفاعيلها. وعلى خط موازٍ، يشير سلامة الى ان مصرف لبنان على تواصل مع وزارة المال للبحث في الآليات التي قد تؤدّي الى النتائج المرجوة على صعيد خفض كلفة خدمة الدين العام، والتي اعتمدتها الحكومة ضمن موازنة 2019، والتي تحافظ في الوقت نفسه على الثقة والاستقرار. وشدّد على أنّه لم يتوصل الى أي صيغة نهائية بعد مع وزارة المال حول الآلية التي ستعتمد، والمهمّ هو النتيجة التي سنصل اليها والتي ستحقق وفراً في الموازنة، لكنّ أي عملية ستنفذ لتأمين هذا الوفر المالي في الموازنة، ستكون عملية مدروسة بين مصرف لبنان المركزي ووزارة المال، لأنّ مصرف لبنان بات يحمل معظم الدين العام”. وعلى خط آخر، يؤكد سلامة ان إقرار الموازنة يشير الى وجود نية ضرورية للعمل على خفض العجز المالي، أما العبرة فهي اليوم بالالتزام بما تم التعهد به إضافة الى العامل على إقرار موازنة للعام 2020 في الاتجاه الإصلاحي ذاته. أما بالعودة للحديث عن كيفية تأمين الوفر الذي سيتم تحقيقه بالنسبة إلى خدمة الدين العام، يشدد سلامة على أهمية الحوار والبحث مع وزارة المال كاشفاً عن وجود سلسلة اقتراحات في جعبته لتأمين هذا الوفر مفضلاً عدم الإفصاح عنها قبل طرحها مع وزارة المال. والأهم بالنسبة إلى الحاكم المركزي هو تحقيق الوفر الذي يراوح بين 650 مليون و 700 مليون دولار بالنسبة لكلفة خدمة الدين العام شرط ان تبقى هذه العمليات أيضاً ضمن إطار لا يدفع بالمؤسسات المالية الدولية، ومنها مؤسسات التصنيف، الى طرح تساؤلات أو مخاوف من تداعياتها. أي خطوة سيقدم عليها مصرف لبنان بالتعاون والتنسيق مع وزارة المال لا تلحظ إجبار أي مؤسسة مصرفية على الدخول فيها، وهذا أمر نهائي. ويلفت سلامة الى أنّ “وضع المصارف خاصّ لأنّها محكومة بنتائجها وإمكاناتها المالية، وبالتالي لن تُلزمها أي جهة كانت، لا مصرف لبنان ولا الحكومة، بأي إجراء وليس مطلوباً منها أساساً ان تشارك في أي عملية سنقوم بها”. ويشير الى انّ “المصارف عوقبت مسبقاً من خلال الضرائب المفروضة عليها والتي تكبّدها اعباء مالية كبيرة”. وشدّد على اهمية الحفاظ على صلابة المصارف لانها عامل مؤثر في الاقتصاد.

الاستقرار النقدي

أما على الصعيد النقدي، فيعيد سلامة ما كرره دائماً “الليرة مستقرة وستبقى مستقرة” ليس انطلاقاً من عواطف بل من أرقام وبيانات، بخاصة مع بدء مرحلة اقتصادية ومالية جديدية تتمثل بإقرار الموازنة وقرب الانتهاء من موازنة العام 2020 التي ستأتي بمزيد من الاصلاحات المالية والهيكلية.

وتشير ميزانية مصرف لبنان إلى ارتفاع في الاحتياطات الأجنبية حتى نهاية النصف الاول من شهر تموز 2019 الى أكثر من 37 مليار دولار مع استمرار استقرار احتياطات الذهب لدى المركزي قرب 13.05 مليار دولار، حتى وصلت الاحتياطات الاجمالية لدى مصرف لبنان لما يقارب الـ 50 مليار دولار وهي طبعاً مستويات تساهم بتحقيق الاستقرار النقدي وتحمي الليرة اللبنانية. وكان للمصارف اللبنانية أخيراً مسعى جديد لاجتذاب دولارات جديدة من خلال عرض أسعار فائدة مرتفعة على مبالغ تتخطى الـ 5 ملايين دولار، حيث تشير جميعة المصارف الى أن هذا المسعى اجتذب ما بين 800 مليون ومليار دولار تقريباً.

ويذكر سلامة أن مصرف لبنان واجه ظروفاً أصعب من الظروف الحالية واستطاع ان يتخطاها بإمكاناته، نافياً كل ما يحكى عن إمكان تحرير سعر الصرف الذي سيبقى ثابتاً لفترة طويلة جداً، فالتحرير ليس في مصلحة لبنان، وهو غير وارد إطلاقاً.

تمويل الدولة

في هذا السياق، يؤكد سلامة أن ما أثر على ميزان المدفوعات وموجودات مصرف لبنان هو تسديد مصرف لبنان ما قيمته 3.5 مليارات دولار في أول 6 أشهر من هذا العام لتغطية خدمة الدين وأصل الدين، فيما تعهدت الدولة اللبنانية من طريق وزارة المال أن تقوم بما يسمح بإعادة هذه الأموال بالدولار الاميركي الى ميزانية مصرف لبنان. هذا وقد اتخذ مصرف لبنان هذا القرار حفاظاً على ملاءة الدولة اللبنانية، وتالياً تراجع الاحتياطات الاجنبية لم يأتِ كنتيجة لمشاكل بنيوية ومالية في القطاع المصرفي أو بالنسبة لليرة اللبنانية، فهذا التراجع أتى كنتيجة لتغطية مستحقات الدولة اللبنانية. وفي المحصلة، يمتلك لبنان الملاءة اللازمة من حيث موجوداته بالعملات الاجنبية وهذه الملاءة هي من أفضل الملاءات الموجودة في المنطقة استناداً الى التقارير الدولية، والأسواق تتفاعل بإيجابية معها. وأيضاً، يجب التأكيد على صمود لبنان في وجه كل الازمات التي عصفت به داخلياً وخارجياً، والوضع النقدي صمد رغم كل ما حكي عن انهيار، ورغم كل التقارير الخارجية التي أتت من وكالات التصينف الائتماني وحتى بعض الضغوط الخارجية التي مورست على لبنان.

تأمين الودائع المصرفية

قامت وكالة “موديز” مطلع العام بتخفيض تصنيف لبنان. وقامت أيضاً وكالتا التصنيف “ستاندرد أند بورز” و”فيتش” بتعديل نظرتهما الى لبنان إلى سلبية، ومن هنا استبق مصرف لبنان الأمور وعزّز رسملة المصارف التجارية. فبفضل الهندسات المالية التي أجراها سنة 2016، بلغت نسبة الملاءة لدى المصارف 16% وتمكنت هذه الأخيرة من تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية IFRS 9، وهذا ما سمح للمصارف بتجنّب تداعيات تخفيض تصنيف لبنان، من دون أن تتأثر قدراتها التسليفية. ويؤكد سلامة أن علاقة المودعين مع المصارف هي علاقة ثقة، وهذه الثقة في محلها لكون مصرف لبنان يسهر على تنظيم هذا القطاع ومراقبته، والأهم أن القطاع المصرفي يأخذ كل الاحتياطات اللازمة بالنسبة إلى إدارة الأموال وحماية الودائع مع التأكيد على أهمية نسب الملاءة المرتفعة التي تتمتع بها المصارف اللبنانية. أما اليوم، وفي أسوأ الحالات، يمكن لنسبة الملاءة هذه التراجع الى ما يقارب 12% وهي نسبة تتخطى متطلبات “بازل 3”. وأيضاً، أصدر المركزي هذا العام تعميماً آخر يسمح للمصارف التي استفادت من العمليات المالية عدم توزيع أرباحها ولكن رسملتها، ومن هنا يضع المركزي كل إمكاناته للحفاظ على ملاءة قوية بالنسبة للقطاع. ويؤكد سلامة مرة جديدة ان السيولة في القطاع المصرفي جيدة، والتي تعزز جراء سلسلة تعاميم أصدرها المركزي تطالب المصارف العاملة في لبنان بتحقيق نسبة سيولة مرتفعة تلتزم المصارف الحفاظ عليها. ورغم ارتفاع الأكلاف التي تتحملها المصارف نتيجة الضرائب، الا ان القطاع المصرفي ما زال يحقق أرباحاً كبيرة، هذا ويشدد حاكم مصرف لبنان على أهمية محفظة التسليفات التي تشير الى مؤونات صافية التي تكونها المصارف تقارب 5.4%، وهي نسبة مهمة ترفع من هامش الارتياح بالنسبة للمحفظة الائتمانية لهذه المصارف. فالقطاع بالفعل، يتمتع بسيولة مرتفعة وإمكانات لمواجهة أي مخاطر ولحماية أموال مودعيه. ويضيف سلامة “في آخر 25 سنة، لم يخسر أي مودع في المصارف اللبنانية أمواله، في وجود قانون الدمج، مع التأكيد على ضرورة إدخال بعض الاصلاحات بالنسبة إلى رفع نسبة التغطية لضمان الودائع”. كل التجارب السابقة أثبتت أنّ الودائع المصرفية اللبنانية محمية. وقد حصلت تجارب عدة تمثلت بتعثر بعض المصارف أو دمجها، فكان مصرف لبنان المنظِّم لهذه المصارف متولّياً مهمة ضمان انتقال الودائع من مصرف الى آخر لضمان حقوق المودعين كاملة. وشكّلت سياسة حاكم مصرف لبنان بديلاً عوّض ضعف المؤسسة الوطنية لضمان الودائع التي تأسست في العام 1991 لحماية الودائع الصغيرة في حالات الإفلاس وهي مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية تساهم فيها الدولة وجميع المصارف العاملة في لبنان، وتضمن الودائع حتى سقف الـ5 ملايين ليرة فقط.

وبالنسبة إلى الإصلاحات المتعلقة بالمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، يؤكد سلامة أن تنفيذها يمكن أن يأتي بتدرج كون قانون الدمج أتى ليحل مكان ضمان الودائع، من هنا ومن خلال هذا القانون أصبحت الودائع مؤمنة 100%. ويذكر سلامة بالتقرير الاخير الصادر عن وكالة “فيتش” للتنصيف الائتماني الذي شدد على صلابة القطاع المصرفي اللبنانية وقدرة على تحمل الضغوط، فيما تمنح مؤسسات التصنيف العالمية نظرة مستقرة لهذا القطاع.

القروض المدعومة

وصل مجموع قيمة القروض السكنية المدعومة من مصرف لبنان حتى اليوم نحو 19,213 مليار ليرة استفاد منها ما يقارب الـ 128 ألف شخص. ويؤكد سلامة ان مقاربة القروض المدعومة عامة قوربت من ناحية “نقدية” وتالياً عملية ضخ السيولة في الاسواق كانت محكومة بحدود معينة تحدها نسب التضخم، وبحسب حاكم مصرف لبنان، الامور تغيرت وبخاصة على صعيد العجر في الموازنة، مما أدى الى ضخ سيولة إضافية في الاسواق ما يدفع بالمركزي إلى اتباع سياسات محافظة أكثر، أما بالنسبة للوضع الاقتصادي والنمو شبه المعدوم، فكلها دفعت بمصرف لبنان للتوقف عن تشجيع نسب الفوائد البعيدة عن فوائد الاسواق، لكون هذه الخطوة كانت لتؤدي الى “فقاعات” خطيرة في الاقتصاد. ولكن، أراد مصرف لبنان هذا العام أن يقدم مزيداً من الدعم للقطاعات الاقتصادية إضافة الى تأمين إمكانات إضافية، فقدّم رزمة إضافية لدعم القروض السكنية إلى القروض الإنتاجية المدعومة ومنها ما يتعلق بالمشاريع الخضراء والبيئية.

أسعار الفوائد

تتجه البنوك المركزية الكبرى في العالم إلى تخفيض مستويات الفوائد، وعلى رأسها البنك الفدرالي الاميركي، لإعادة تحفيز الاقتصادات بعد سلسلة بيانات ضعيفة أظهرت تراجعاً في العديد من القطاعات، أما في لبنان وبعد إرتفاع الفوائد، وبخاصة على الدولار الاميركي، خلال الاشهر الاخيرة نتيجة عوامل عدة منها داخلية ومنها خارجية، يتوقع حاكم مصرف لبنان أن تعود لتتراجع في المرحلة المقبلة. وإضافة إلى خطوة الفدرالي الأميركي التي تساهم في تراجع الفوائد على الدولار، يشدد سلامة على وجود عنصر أساسي يساهم في تحديد مستويات الفوائد وهو حجم السيولة. فالاقتصاد اللبناني مدول وبالتالي ارتفاع حجم السيولة بالدولار الأميركي في الأسواق اللبنانية يرفع حدة المنافسة بين المصارف بالنسبة الى التسليف مما يدفع بالفوائد للتراجع، أما في حال تراجعت هذه السيولة، فيتحقق المنحى التصاعدي بالنسبة إلى الفوائد. فكل المنطقة تعاني اليوم من شح في السيولة بالدولار الأميركي نتيجة الأزمات السياسية والامنية، إضافة الى استمرار الضعف بالنسبة إلى أسعار النفط، وأيضا تراجع حجم التحويلات من الدول التي لطالما كانت تعتبر مصدراً مهماً للعملات الصعبة الى الخارج. أما السوق اللبناني، فقد تأقلم مع هذه التطورات من خلال ارتفاع أسعار الفوائد. ويذكر الحاكم أن المرة الأخيرة التي رفع فيها مصرف لبنان أسعار الفوائد كانت في في تشرين الثاني 2017 عند استقالة الرئيس سعد الحريري من المملكة العربية السعودية، وحتى يومنا هذا لم يقدم المركزي على أي زيادة بالنسبة إلى الفوائد. أما العمليات المالية المحدودة التي تُجرى، فلا تمس بقاعدة الفوائد ككل. وفي نظرة على أسعار الفوائد منذ تحقيقها أدنى مستوياتها في تشرين الأول 2017 وحتى اليوم، كان ارتفاع الفوائد في لبنان بمعدل 3% على الليرة اللبنانية وما يقارب 2,5% بالنسبة للدولار الأميركي، وحافظت نسب الفوائد على مستويات أقل بكثير من المستويات المسجلة في دول المنطقة. وتبقى المشكلة الأساس التي يجب مواجهتها هي مشكلة السيولة وليست مشكلة مستويات الفوائد. وأيضاً يربط سلامة هذه الازمة بما يعانيه القطاع العقاري في المنطقة من تراجع كبير مما انعكس سلباً على أحجام السيولة في الأسواق، إضافة الى ما تحمله لبنان من تداعيات لأزمة اللاجئين السوريين، والأكلاف المترتبة جراء هذا الملف. ويقول سلامة: “لا يمكن تحديد أسعار الفوائد، إنما للسوق حرية تحديدها، وكل العوامل التي ذكرناها تدخل ضمن مسار تحديد هذه المستويات”.

وتراجعت الودائع في المصارف اللبنانية بحسب أرقام جميعة المصارف في لبنان من 179 مليار دولار مطلع العام 2019 الى ما يقارب الـ 176 مليار دولار نهاية شهر أيار الفائت. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول سلامة: “من الخطأ النظر فقط إلى رصيد الودائع من بداية العام، فمن المهم النظر الى رصيد القروض خلال هذه الفترة، بحيث إن الكتلة الموجودة في القطاع هي لمصلحة هذا القطاع المصرفي بما قيمته 4 مليارات دولار”.

استقرار سعر الصرف

حكي كثيراً في الأشهر الماضية عن معلومات وتحاليل تحدثت عن تحرير أو تعويم سعر الصرف لمواجهة الأزمة المالية التي يمر بها لبنان، وفي هذا السياق يقول سلامة: “هذا الكلام نسمعه منذ تولّينا حاكمية مصرف لبنان في العام 1993، الليرة اللبنانية مستقرة ولا نية لدى الدولة اللبنانية، ولا عند مصرف لبنان، لتغيير سعر الصرف، وهذا الأمر غير وارد إطلاقاً، ومصرف لبنان يقوم بكل العمليات والهندسات المالية لتأمين كل الادوات التي تساهم في تأمين الاستقرار النقدي، وبخاصة أن لا منفعة اقتصادية في تعويم سعر الليرة اللبنانية، لكون الاقتصاد اللبناني مدولراً، والكلفة في لبنان تحتسب بالدولار الأميركي مهما كان سعر صرف الليرة اللبنانية، بل تحرير سعر صرف الليرة يؤدي إلى التضخم والى ارتفاع أكبر في الفوائد وصولاً الى الركود الاقتصادي وهز الثقة بالقطاع المالي والمصرفي”. ويعيد ويكرر إن “مصرف لبنان ملتزم بالإبقاء على سياسته الهادفة إلى استقرار سعر الصرف بين الليرة والدولار، ولديه القدرة على تحقيق هذا الهدف الذي بات مطلباً وطنياً. ونقطة على السطر!”.

اقتصاد المعرفة

سعى مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية إلى إصدار أنظمة وتعاميم تفيد الاقتصاد اللبناني وتتماشى مع اقتناع حاكم المركزي الراسخ بأن اقتصاد السوق وتعزيز ريادة الأعمال هما الوسيلة الصحيحة لتوليد الثروة واستحداث فرص العمل في لبنان فاقتصاد المعرفة أدّى إلى تكوين ثروة جديدة في العالم وشركات التكنولوجيا أصبحت تتمتع بالرسملة السوقية الأعلى في عددٍ من البلدان وأسواق الأسهم.

ومن هنا، يعتبر سلامة أن هذا القطاع يساهم في تحسين القدرة التنافسية وفي استقرار الأسعار في دول مختلفة، كما يؤدي دوراً حيوياً في الحدّ من التضخّم. وفي هذا السياق، ساهم مصرف لبنان في نشأة قطاع اقتصاد المعرفة في لبنان من خلال إصدار التعميم رقم 331 الذي وفّر التمويل اللّازم للاقتصاد الرقمي، عبر التعاون الوثيق الذي أوجده بين القطاع المصرفي ورواد الأعمال. ويبقى الهدف الاساسي بالنسبة الى المركزي هو التركيز بلى ضرورة تأمين التمويل لحاضنات الأعمال والشركات المسرّعة للأعمال، خصوصاً في الجامعات، ومن هنا أنشأ مصرف لبنان لجنةً معنية بإصدار التعاميم اللّازمة لتطوير وتنظيم قطاع التكنولوجيا المالية، بالاستناد إلى قانون النقد والتسليف والقانون رقم 81 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية. كما يسعى المركزي لإخضاع شركات التكنولوجيا المالية للرقابة، وذلك بإلزامها الحصول على ترخيص من مصرف لبنان للمباشرة بأعمالها. ويواصل مصرف لبنان دعمه اقتصاد المعرفة الرقمية، من خلال تقديم ضمانات للمصارف التي تموّل أصحاب المبادرات في هذا المجال. حتى الآن، تمّ استثمار ما مجموعه 250 مليون دولار في اقتصاد المعرفة، وهناك مبلغ مماثل أي 250 مليون دولار ما زال متاحاً للاستثمار.

المنصة الإلكترونية

تُدرَج في هذه المنصة الإلكترونية أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وسندات دين القطاع الخاص، ليتمّ التداول بها في سوق ثانوية تمتاز بسيولتها ويمكن الوصول إليها من لبنان ومن الخارج، ويمكن أيضاً التداول بأسهم الصناديق العقارية.

وفي هذا السياق، أصدر مصرف لبنان تعميماً يشجع على إنشاء الصناديق العقارية إذ يقول سلامة: “نأمل أن يتمّ تأسيس المزيد من الصناديق العقارية بهدف تصفية مخزون الشقق غير المبيعة، ما يؤمن سيولة تُستخدم في أسواق التسليف”. وستشكّل المنصّة سوقاً ثانوية لأسهم الشركات الناشئة. كما ستتضمن هذه المنصة الإلكترونية أوراقاً تجارية وأسهم شركات ليست بالضرورة شركات ناشئة، ما يشجّع الاستثمارات في شركات قائمة وناجحة تريد أن تتوسع ليس فقط من خلال الاستدانة بل من خلال الرسملة أيضاً، لأن الدين وكلفة الدين أصبحا يشكلان ثقلاً على القطاع الخاص. والأهم أن الحصول على تمويل محلي من المصارف اللبنانية زاد صعوبةً، فالقروض المصرفية للقطاع الخاص تمثل 110% من إجمالي الناتج المحلي. وقد بلغت حتى الآن قيمة القروض المصرفية للقطاع الخاص 61 مليار دولار، وهو مبلغ يتعدى الناتج المحلي اللبناني. فنحن بجاحة إلى رسملة هذا القطاع الخاص، وتطبيق مقررات مؤتمر “سيدر” قد يولّد مشاريع جديدة يشارك فيها القطاع الخاص، لا سيما في حال وجود سوق ثانوية تسهّل الحصول على التمويل اللازم أو إدراج الأسهم أو السندات.

العملة الرقمية

يسود الاقتصاد اللّبناني منحى استدانة منخفضة، مما يشكّل ضغطاً على السيولة وعلى معدّلات الفائدة ويعرقل النمو. لمواجهة هذا الوضع، نحن بحاجة إلى مصادر سيولة جديدة، إلى جانب تلك التي يوفّرها مصرف لبنان والقطاع المصرفي ومن هنا، أحرز مصرف لبنان تقدّماً كبيراً، وهو بصدد إنجاز الصيغة القانونية النهائية لهذه العملة قبل إطلاقها وكل حسابات العملاء الرقمية ستودع لدى المصارف أو شركات التكنولوجيا المالية المعتمدة. ويشير سلامة إلى أن مقاصة العمليات التي ترتكز على العملة الرقمية ستكون مقاصةً منظّمة ضمن القطاع المصرفي، وسيقتصر دور مصرف لبنان على الترخيص للمؤسسات التي تقدم خدمات مالية بوسائل إلكترونية، بحسب الشروط المنصوص عليها في تعاميم مصرف لبنان. هنا أيضاً، سيصدر المركزي فقط العملة الرقمية، ويدع كل ما يستتبع ذلك للقطاع المالي، خصوصاً القطاع المصرفي.

تأمين الشمول المالي

يعتبر مصرف لبنان أنّ انخراط المجتمع بواسطة الخدمات المصرفية والخدمات المالية عموماً، يساهم في تحسين مستوى حياة المواطن اللبناني ونوعيتها. وبهدف تحقيق الشمول المالي، طوّر المركزي قواعد محددة، وأهمها التأكد من وجود قطاع مصرفي متين وسليم وملتزم بالقواعد المصرفية الدولية. والواقع أن القطاع المصرفي لديه رسملة مرتفعة ونسبة ملاءة تساوي 16% طبقاً لمقررات “بازل 3″، وقد نجح في تطبيق المعايير المحاسبية الجديدة مثل الـ IFRS 9. كما أن سياسة مصرف لبنان التي تقضي بعدم إفلاس المصارف بل بدفعها إلى الدمج في حال واجهت صعوبات، ساهمت في توسيع قاعدة الودائع في لبنان التي باتت تمثل 4 أضعاف إجمالي الناتج المحلي.

مصدرالنهار
المادة السابقةزحمة سير خانقة عند اوتوستراد الكرنتينا باتجاه بيروت.. ما السبب؟
المقالة القادمة1500 وظيفة للبنانيين خلال شهر