نشْرُ الكتاب الذي وجّهه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 9 نيسان الحالي إلى وزير المال غازي وزني له هدف واضح: سقوطي يعني سقوطكم، يجب أن تحموني كما حميتكم من الغضب الشعبي. كلام سلامة موجّه لقوى السلطة. فهو يزعم أنه قام بما يمكن القيام به للحدّ من تضخّم للأسعار كان يمكن أن يبلغ 275%، وبالتالي فإنه في ظل الدعاوى القضائية الخارجية عليه، والرغبات المحليّة في زيادة الضغوط الداخلية على القطاع المصرفي، يجب على القوى السلطة أن تقوم بامتصاص هذه الضغوط، وإلا فإن الأمر سيطاول المنظومة بكاملها، وهو اليوم على رأسها والحلقة الأضعف فيها.
كان لافتاً أن يستحضر سلامة الكتب الموجّهة لوزير المال منذ آب الماضي ثم في تشرين الثاني الماضي وفي شباط أيضاً. يتمحور مضمون هذه الكتب حول دعم استيراد السلع الأساسية بالدولارات التي يحملها مصرف لبنان في حساباته الخارجية. لكنه لم يكتف بذلك، بل استحضر أيضاً المادة 70 من قانون النقد والتسليف التي تفرض على مصرف لبنان ”الحفاظ على النقد لتأمين أساس نموّ اقتصادي واجتماعي دائم“، مشيراً إلى أنه يقوم بحماية القدرة الشرائية للمواطنين والحدّ من الانهيار الاجتماعي…
بهذه الخلفية، تطرّق سلامة إلى موضوع الدعم الذي ينطوي على ”تلاعب وتهرب للمواد المدعومة“، وهذا يستنزف ”موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية“. وبما أن الحكومة لم تقدم أي سياسة لترشيد الدعم، فإن هذا الأمر ينعكس سلباً على ”امكانية استمرار مصرف لبنان في سياسة الدعم الحالية للحكومة“.
لا يمكن وضع هذا الكتاب إلا في سياق النمط التقليدي لسلوك قوى السلطة. فما يطلبه سلامة منها أن تستغل شريحة المودعين الذين سيحوّلون ولاءهم من قوى السلطة إلى الشارع. يعتقد سلامة أن هذه الشريحة الكبيرة نسبياً، ما زالت تعوّل على قوى السلطة لاسترداد الودائع، ويدرك أن جهل هذه القوى، أو رغبتها في استعادة عوائد ”اقتصاد الكازينو“، محفّز يجب استخدامه لتمهيد رفع الدعم، ولو جزئياً، ومنحهم أملاً جديداً بأن ودائعهم مع فوائدها قد تعاد إليهم يوماً ما. الهدف هو ضمان ولاء المودعين لقوى السلطة عبر قمع أي تحرّك قضائي ضدّ مصرف لبنان والمصارف.
سلامة يحاول التهرّب من مسؤولية تآكل قيمة الليرة والودائع. لكنه هو، بالتواطؤ مع المصارف، فرّطوا بحقوق المودعين ومداخيل اللبنانيين. فإذا كان قانون النقد والتسليف يفرض عليه حماية النقد وتأمين استدامة الاقتصاد، فإن الواقع الحالي هو عكس ذلك تماماً.
إنكار الخسائر، ثم طباعة الليرات وضخّها في السوق لإطفاء هذه الخسائر، بالتزامن مع ترك الهامش مفتوحاً على أكثر من تسعيرة للدولار، أطلق التضخم إلى الحدود التي أفضت إلى انحدار نصف اللبنانيين إلى ما تحت خطوط الفقر، وتفاقم الفقر الغذائي، فضلاً عن تقنين السلع المدعومة في السوق. الدعم كان إحدى الأدوات لإسكات الناس، مثله مثل سعر المنصّة. كان سهلاً على قوى السلطة، بما فيها مصرف لبنان، الدخول في لعبة الدعم، لكن بات يصعب عليهم الخروج منها.