أشار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط”، إلى أن “التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان هدفها التخفيف من حدة وآلام الأزمة ومنع الانهيار الكبير من جهة، وضبط السوق الموازية من جهة أخرى”، لافتاً إلى “مرحلتين استبقتا تدخل المركزي الذي أدى لانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة 35 بالمئة، الأولى تخللتها عملية وقف إخراج ليرات لبنانية من مصرف لبنان، والأخرى إيجاد موارد بالدولار نقداً لوضعها على منصة صيرفة وبيعها”.
وفي هذا الإطار، أكد أن “المبالغ اللازمة تأمّنت من خلال بيع دولارات نقداً لمصرف لبنان على فترة ممّن يشحنون العملة لأنهم بحاجة لعملة لبنانية نقداً، وذلك بعدما كنا قد جفّفنا مدّ السوق بالليرة اللبنانية ما أدى لازدياد الطلب”، مشدداً على “إننا اليوم نتدخل بهذه الدولارات عبر صيرفة، ولم يتم المس باحتياطي مصرف لبنان لإتمام هذه العملية حتى الساعة”.
واستغرب سلامة “ترافق انخفاض سعر الصرف مع انتقادات طالته من البعض، علماً بأنه من المفترض أن يحسّن الواقع الجديد من القدرة الشرائية للبنانيين… لكن هنا يأتي دور التجاذبات السياسية والمصالح التجارية في السوق الموازية، خصوصاً أن ما أزعج البعض هو أنه لم يعد هناك تقريباً سوق موازية، وأصبحت منصة صيرفة هي الأساس، والكل يعتمد على سعر الصرف الذي تحدده، وهو أمر لمصلحة البلد”.
وعمّا إذا كان سيتمكن من خلال الآلية الجديدة التي يعتمدها من الحفاظ على سعر الصرف بمستوى 20 ألف ليرة، أكد سلامة أنه “سنترك السوق تتصرف. لن نتدخل لتثبيت السعر وسنترك السوق تأخذ مداها، ولكننا موجودون لمنع أي تقلبات حادة كما كان يحصل سابقاً”، مشيراً إلى أنه “أصبح لدى صيرفة القدرة النقدية بالدولار للتدخل، ومن ناحية أخرى هناك عملية تجفيف لليرات اللبنانية”. وتابع: “أصلاً سعر العملة لا يرتكز على تقنيات المصرف المركزي وحدها كما يروّج البعض، فهناك الجو السياسي، وعجز الموازنة، والنشاط الاقتصادي، وكيفية الخروج من عملية التوقف عن الدفع… كلها عوامل مؤثرة على سعر الصرف في بلد “مدولر” كلبنان”.
وفيما يتعلق بسعي الحكومة لتحديد سعر الدولار الجمركي، أوضح أن “الحكومة تسير بخطوات تدريجية لحماية مصالح اللبنانيين، بانتظار نتائج التفاوض مع صندوق النقد. فإذا توافقنا على برنامج معه ستكون لديه شروطه، والأرجح أن السياسة الجديدة التي سيطالب بها الصندوق تعتمد على سعر حر غير متفلت، حيث يكون التدخل لحماية الاستقرار مع ترك قوى السوق تؤثر على سعر الصرف”.
ورأى أن “الاجتماعات شبه اليومية التي تحصل افتراضياً مع صندوق النقد عبر الهاتف وتطبيق “زوم” جدية”، لافتاً إلى أن “الصندوق لا يزال يكوّن المعلومات والمعطيات”، موضحاً أن “هناك لجنة حكومية لبنانية تشكّلت، وبدأت عملها لتحضير مشروع لبنان”. وفي وقت رفض سلامة تحديد تواريخ للتوصل لتفاهم مع صندوق النقد، نفى أن يكون هناك “أي رابط بين توقيع التفاهم وتطبيقه، وبين موعد الانتخابات النيابية ونتائجها”، معتبراً أن “ما يعني صندوق النقد هو وجود حكومة فاعلة قادرة على التفاوض معه”.
من هنا، شرح سلامة أن “حصة لبنان في صندوق النقد بأعلى مستوى هي 4 مليارات دولار، لكن بعد إقرار البرنامج والتزامنا به، ستكون هناك دول ستنضمّ لهذا البرنامج عبر صندوق النقد، وقد نصل حينها لتأمين ما بين 12 و15 مليار دولار، وهذا المبلغ كفيل بتعافي لبنان”، مشدداً على أنه “عندما نبدأ بتطبيق الإصلاحات، الخروج من الأزمة يكون سريعاً. الثقة هي العنصر الأهم الذي يعيد الأموال ويؤدي للنهوض بالاقتصاد”.
بالتوازي، نفى سلامة ما يتم تداوله عن أن “التخفيض الحاصل بسعر الصرف مرتبط بقرار سياسي لتمرير مرحلة ما قبل الانتخابات والإيحاء بأن قوى السلطة الحالية ممسكة بزمام الأمور”، معتبراً أن “اهتمام الحكومة حالياً إنما هو بمكافحة التضخم ما يؤدي لإفقار الناس، ولا تفكير بانتخابات ومكاسب سياسية، والانكباب حالياً على إصدار موازنة تعطي ثقة، والأهم على المفاوضات مع صندوق النقد”.
وشدد على أن “سياسة المركزي الحالية تقضي بالحفاظ على مستوى التوظيفات الإلزامية، وهو موضوع نراجعه بشكل يومي وننسّق فيه مع الحكومة”، موضحاً أن “ميزانية مصرف لبنان لا تتأثر حصراً بعمليات صيرفة، إذ إن هناك تقلبات بسعر اليورو، إضافةً لبيع دولارات على سعر الصرف الرسمي الـ1500 ليرة للدولار في إطار سياسة دعم بعض المواد كقسم من الأدوية والقمح”. وأضاف: “منذ تموز 2020 كنا واضحين أننا لا نستطيع أن نستمر بدعم كل المواد التي كنا ندعمها، والطلب من مصرف لبنان من قِبل الدولة للتدخل انخفض بحدود ما بين 60 و65 بالمئة، خصوصاً أنه مع التوقف عن الدفع في عام 2020 لم يعد هناك مصدر دولار للدولة إلا من خلال المركزي”.
وفي سياق متصل، أعرب سلامة عن استغرابه من اتهامه بـ “منع الأموال عن البعثات الدبلوماسية”، مشدداً على أنها “مسؤولية حكومية وليست مسؤولية مصرف لبنان. يطلبون مني القيام بتحويلات وبنفس الوقت هناك رفض للمس بالاحتياطي الإلزامي… فليؤمّنوا دولارات ليدفعوا مصاريفهم بالدولار… يجب أن نتشدد لنستمر”.
كما استهجن مما يروّج له البعض لجهة أن “المصرف المركزي بدّد أموال المودعين”، قائلاً: “نحن لا نمتلك أموال المودعين لنبدّدها، هناك أموال أودعتها المصارف، وهي أموال أعدناها ونعيدها لها. الخسارة الكبيرة في القطاع المصرفي هي نتيجة التوقف عن الدفع… كانت لديهم محفظة كبيرة بسندات الخزينة (اليوروبوند) بالدولار خسروها، هذه كانت أموال المودعين التي وظّفوها مباشرةً مع الدولة. أما معظم الأموال التي أدانها مصرف لبنان للدولة فهي بالليرة اللبنانية، الدين بالدولار محصور بـ5 مليارات يوروبوند التي أعلنوا التوقف عن دفعها، وهناك حساب مكشوف بـ15 مليار دولار”.
وأردف: “بين عام 2017 وعام 2020 أعاد المصرف المركزي للمصارف الدولارات التي كانت لها إضافة إلى 14 ملياراً كانت مجمعة كاحتياطيات سابقة. حتى عام 2015 كان المصرف المركزي يشتري دولارات، الفترة التي تدخلنا فيها للمحافظة على سعر الصرف كانت خلال المرحلة الممتدة من 2016 حتى 2019. وكان هناك أمل بالحصول على أموال مؤتمر سيدر عام 2018، كما كانت هناك مطالبة حكومية رسمية ومن كل المرجعيات السياسية بالمحافظة على سعر الصرف، وحتى الاجتماع الأخير الذي حصل في أيلول 2019 قبل الأزمة في القصر الجمهوري، أكد البند الأول من البيان الذي صدر عنه وجوب الحفاظ على سعر الصرف. فبنهاية المطاف المركزي لا يتصرف من تلقاء نفسه. أضف أن القانون يُجبر مصرف لبنان على تمويل الدولة إذا لم تكن لديها طريقة أخرى لتتمول، حتى إنهم في موازنات 2018 حتى 2020 أجبروا المركزي على إدانة الدولة بـ1 بالمئة أو بعدم تقاضي فوائد من الحكومة”
وعن إمكانية استخدام احتياطي الذهب للخروج من الأزمة، أوضح سلامة أن “هناك قانوناً يمنع التصرف باحتياطي الذهب بيعاً أو رهناً، ونحن ملتزمون بهذا القانون”، مشدداً على أنه “إذا لم يكن هناك مشروع إصلاحي جدّي، لا يجب المسّ بالذهب مهما كان الثمن، لأنه يعطي ثقة بالعملة”.
وعمّا إذا كان يتمنى لو لم يكن حاكماً لمصرف لبنان في هذه المرحلة، قال سلامة: “في هذه الظروف لا أحد يحسدني على ما أنا فيه وعلى موقعي. لكنني موجود وضميري مرتاح”، متطرقاً إلى “أسباب سياسية وعقائدية وعن مصالح معينة تقف وراء حملة اختصرت الأزمة اللبنانية بشخصي. استُثنيت كل مكامن الضعف التي أدت للأزمة، وتم حصر الأزمة بحاكم المركزي، وهو أمر غير منطقي، هدفه شيطنتي وتحويلي كبش محرقة”.
وأكد أنه “خلال العامين الماضيين كان مصرف لبنان المؤسسة الوحيدة التي تموّل القطاعين العام والخاص، وقد تصدينا لكل المخاوف، خصوصاً تلك التي كانت تتحدث عن مجاعة مقبلة. خففنا حدة الأزمة من خلال الدولارات التي كنا قد جمعناها استباقياً، خصوصاً أنه لم تأتنا أي مساعدة من الخارج وبالعكس كان يتم تحطيم صورة لبنان بهدف الدفع باتجاه الانهيار الكبير. وقد يكون جزءاً من النقمة علينا أننا لم نسمح بحصول هذا الانهيار. اليوم هناك حكومة ونيات جدية لإعادة النهوض بالبلد، وهم لا ينطلقون من نظام محطم إنما من نظام موجود يمكن إصلاحه”.
:ما اعتبر أن “كل القرارات الصادرة عن القاضية غادة عون شعبوية، باعتبار أن محكمة التمييز كانت واضحة لجهة أنْ لا صلاحية لها. أضف أنني تقدمت بطلب رد القاضية عون لأن هناك إثباتات تؤكد أنها تكنّ عداوة شخصية لي سواء من خلال تغريدات لها على موقع “تويتر”، أو من خلال تقارير رفعتها للخارج ضدي، وبالتالي كيف يمكن أن يكون القاضي حكماً وخصماً بنفس الوقت؟!”. وأضاف: “أنا مستعد للإجابة عن كل أسئلة واستفسارات القضاء، شرط ألا يكون القاضي على عداوة شخصية معي لا أعرف سببها. كما أن ادعاءات الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال والاختلاسات، هناك تحقيق حصل في شأنها في محاكم بيروت، فلماذا التحقيق بها من جديد؟! ما بات واضحاً أن هناك مطاردة لي غير مبررة… أنا أنفّذ القانون والكل يجب أن يلتزم بالقوانين”.
وعمّا إذا كان ممنوعاً من السفر ومحجوزاً على أملاكه، أكد أنه “لم يحاول أن يسافر، وليس لديه سفر حالياً”، لافتاً إلى أنه “بما يتعلق بقرار الحجز على بعض الأملاك، ففي عام 2020 هناك قاضٍ قام بالمثل وعاد القضاء وأعطاني حقي وكسر القرار. أما ما يحصل على صعيد القضاء في دول الخارج، فقد تم تقديم إخبارات رافقتها ضجة إعلامية ما استدعى فتح تحقيقات، لكن ليس هناك أي دعاوى عليّ في الخارج، ونحن نتجاوب مع كل ما يُطلب منّا”.
وفي ملف التدقيق الجنائي، شدد سلامة على أن “قرارات المجلس المركزي واضحة، والمعلومات التي زوّدْنا بها شركة التدقيق كاملة”، مستغربا الحديث عن أنه “يتلطى برفض موظفي المركزي رفع السرّية عن حساباتهم”، قائلاً: “أنا لست أصلاً في نقابة موظفي مصرف لبنان كي أتلطى بهم. وهل يبدو منطقياً أن كل التدقيق الجنائي متوقف عند حسابات الموظفين؟! نحن ندعو لإجراء التدقيق وهناك تدقيقات أخرى من صندوق النقد حصلت وأُنجزت. أضف أنني منذ عام 1993 أقوم بالتدقيق بحسابات المصرف المركزي، علماً بأن القوانين لا تُلزمني بذلك. حتى إنني دققت بحساباتي الشخصية رداً على كل ما أثاروه عن شركة لشقيقي ارتباطات فيها، وتبيّن أنْ لا أموال لمصرف لبنان لا في حساباتي الخاصة ولا في هذه الشركة”.