كلّما تبرّأ رياض سلامة من المسؤوليّة اشتدّ الخناق حوله أكثر. لكنّه لا ييأس. وأمام كل الدعاوى المرفوعة ضده، والتي تضرّ بسمعة المصرف المركزي كما بسمعة لبنان، لا يزال يتمسّك بمنصبه، غير آبهٍ بما يشكّله ذلك من عواقب على البلد. لكن سلامة ليس وحده المنفصل عن الواقع. كما حلفاؤه السياسيون، كذلك حلفاؤه الماليون. جمعية المصارف، بمقدار تورطها، بمقدار ما تسعى إلى تبرئة نفسها من أيّ مسؤولية. بيان طويل دبّجته للوصول إلى هذا الهدف، لكنها لم تجب فيه عن سؤال أساسي: من أجبرها على توظيف النسبة الأكبر من أموال المودعين في مصرف لبنان، سوى الجشع؟
مع ذلك، فإن الواقع يختلف عما يتخيّله سلامة. في الواقع، وبعدما ادّعت القاضية غادة عون على سلامة أول من امس (إضافة إلى مصرف «سوسيتيه جنرال»)، وبعد الدعاوى في سويسرا وبريطانيا، تتحضّر مؤسسة Accountability Now السويسرية (تقول إن هدفها «دعم المجتمع المدني اللبناني في الوصول إلى وضع حد لتهرّب المسؤولين من العقاب») لرفع دعوى ضد رياض سلامة في باريس. وهي عمدت إلى تحضير ملف يتعلق بكل العمليات المالية التي أجريت، آملة أن يتم تجميد الأصول التي يملكها سلامة في فرنسا، وصولاً ربما إلى فرض عقوبات عليه من السلطات الفرنسية.
وفي السياق نفسه، كانت «ال بي سي اي» قد نقلت عن مصادر قصر بعبدا أن رئيس الجمهورية «قد يُقدِم على خطوة إجرائية بحق حاكم مصرف لبنان». لكن مصادر مطلعة اعتبرت أن أي خطوة يفترض أن تأتي من الحكومة، التي دعاها الرئيس ميشال عون إلى «عقد جلسة استثنائية لاتخاذ القرار المناسب لحماية ودائع الناس، وكشف أسباب الانهيار وتحديد المسؤوليات، تمهيداً للمحاسبة واسترداد الحقوق».
إلى ذلك، كانت لافتةً عودة جمعية المصارف إلى اعتماد سياسة «اكذب ثم اكذب، إلى أن يصدّقك الناس». وفي بيان سعت فيه إلى تبرئة نفسها من كل ما يصيب البلد واللبنانيين والمودعين، قالت إنه «هال أعضاء الجمعية الحملة التي يتعرّض لها القطاع المصرفي، والتي أصبحت كقميص عثمان، يلجأ إليها معظم أهل السياسة عند اشتداد الأزمة، علّهم، في ما يفعلون، يعتبرون أنهم يقدّمون ما يُغني عن إظهار الحقيقة وكشف أسباب ما حلّ ويحلّ بالبلاد». في بيانها الطويل، لم تجد الجمعية أي مسؤولية على المصارف، فقالت: «باختصار، إن الأزمة السياسية، وما أحدثته من تعطيل وفراغ، تبقى المسبّب الرئيسي للأزمة المالية والمصرفية في لبنان».
الواضح أن معظم أرباح المصارف على مدى تلك السنوات أتت من فوائد وعوائد على سندات الخزينة وعلى اليوروبوندز. ثم، كم يبلغ حجم الودائع التي جرى تحويلها إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019، وخصوصاً خلال فترة الإقفال طوال الأسبوعين الأوّلين بعد 17 تشرين؟ وكم تبلغ قيمة الودائع التي حوّلتها إلى الخارج، لغير أغراض تجاريّة، لغاية آخر 2019 وخلال الـ 2020، بالرغم من اتخاذها قراراً ذاتياً بقيود («كابيتال كونترول») استنسابيّة على التحويلات والسحوبات؟
كل هذه الأسئلة والحقائق، التي لا يمكن لبيان المظلومية أن يغطّيها، يُفترض أن يجيب عنها التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وحسابات المصارف، ولذلك تحديداً يستشرس «حزب المصرف» في سعيه إلى تطيير مشروع التدقيق.