كانت الأضواء مسلّطة امس على ما سيؤول اليه اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان والتدابير التي يمكن ان يخرج بها لا سيّما اتخاذ قرار بالتدخل في سوق القطع لخفض سعر صرف الدولار في السوق الموازية. إلا ان المصرف المركزي لم يخرج بقرار من هذا القبيل، على ان يعاود البحث فيه غداً الاربعاء. ووفق مصادر متابعة القى باللوم على الصرافين المضاربين والذين يديرون «غروبات واتس آب» للتلاعب باسعار الصرف، طالباً من الجهات المعنية التدخل لان هؤلاء معروفون بالاسماء، كما يقول.
ومن المواضيع التي تمت مناقشتها في اجتماع المجلس المركزي كما علمت «نداء الوطن»، امكان رفع سعر منصة صيرفة من 38 الى 45 الف ليرة، والتأكيد على أن الاموال العالقة ( اي الـ100 مليون ليرة) والتي كان تقدّم بها المواطنون لتحصيلها على سعر «صيرفة»، سيحصّلها اصحابها على سعر المنصة وفق سعر 38 الف ليرة اذا كانت مستوفية الشروط. وأقر المجلس المركزي تجديد العمل بالتعميم رقم 161 الى 28/2/2023.
الكرة في ملعب علي ابراهيم!
ومواكبة لتدخّل مصرف لبنان، أصدر أمس النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات قراراً وجهه الى المدعي العام المالي علي ابراهيم طلب فيه «تسطير استنابات قضائية فورية الى أفراد الضابطة العدلية، من قوى أمن وأمن عام وأمن دولة وجمارك ومخابرات في الجيش، لإجراء التعقبات والتحقيقات الأولية، والعمل على توقيف الصرّافين والمضاربين على العملة الوطنية والتسبّب بانهيارها، واقتيادهم مخفورين الى دائرة النيابة العامة لإجراء المقتضى القانوني». كما جاء في الرسالة.
مايك عازار: التدخل مضيعة للوقت وهدر للمال
وفي هذا السياق اعتبر المستشار المالي مايك عازار خلال حديثه الى «نداء الوطن» أنه لا يمكن خفض سعر صرف الدولار بالقوّة من خلال الأجهزة الأمنية والقضاء، إذ أثبتت التدابير السابقة فشلها. فالحلّ إستناداً الى عازار على المدى الطويل هو الشروع بالإصلاحات وإعادة هيكلة المصارف».
وأضاف: أما «على المدى القصير فيجب زيادة الشفافية في السوق (المنصة)، وفتحها للتاجر والشركات والمصارف لمعرفة قيمة العرض والطلب، ومعرفة السعر الحقيقي. وبذلك يتمّ وضع حدّ للمضاربين في السوق، ولكن ما يحصل هو العكس، اي التكتّم وعدم وجود شفافية في عمليات التداول التي تحصل». وأكّد أن «التدخلات التي يقوم بها مصرف لبنان هي مضيعة للوقت وهدر للمال، لأن مسار الدولار هو تصاعدي ولا يتاثّر بأي تدخلات».
يشتدّ الخناق يوماً بعد يوم على مصرف لبنان في إمكانية التدخّل في السوق السوداء لوضع حدّ لارتفاع سعر صرف الدولار، حيث الخيارات تضيق أمامه للتدخّل، وهي عادة ضخّ الدولارات في السوق من المصادر التالية:
إما من احتياطي مصرف لبنان أو من خلال شراء الدولارات من مؤسسات التحويل والصرافة، بدلاً من توفيرها من الإحتياطي.
غسان عياش: تدابير موقتة نتيجتها هدر للدولارات
واكّد نائب حاكم مصرف لبنان السابق غسّان عيّاش لـ»نداء الوطن» أن «تدخلات مصرف لبنان لخفض الدولار ليست سوى تدابير موقتة ونتيجتها هدر للدولارات»، مشدّداً على «ضرورة وضع خطّة إصلاحية للسيرعلى الطريق الصحيح».
وحول احتمال اللجوء الى وسيلة لمّ الليرة من السوق، قال ان لهذا التدبير تداعيات على السيولة، اذ سيتم تجفيف الليرة من السوق ما سيضطر الناس الى سحب اموالهم من الأدراج فتدخل في السوق بائعة، فيزيد العرض وينخفض سعر الصرف، علماً ان الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية المتداولة في السوق والتي تبلغ 73 تريليون ليرة لا يمكن لمّها بالكامل.
واوضح العياش أن «كل تلك التدخلات للمصرف المركزي تعتبر محدودة وموقتة. فقدرة مصرف لبنان باتت ضعيفة، وهو يغامر بناء على طلب الحكومة لتهدئة السوق مع التكتّم عن مصدر الأموال التي سيتدخل بها». لافتاً الى أن «الطلب على الدولار مستمرّ ومنحاه الصعودي مكرّس، ووصلنا الى وقت لا إمكانية فيه لمصرف لبنان لتلبية الطلب على الدولار الذي يحلّق سعره.»
وانتقد عيّاش «المركزي» في تعاملاته مع الصرّافين، في عملية شراء الدولار اذ ان علاقته أصولاً يجب أن تكون مع المصارف على حدّ تعبيره، لافتاً الى أنه «آن الأوان لإعادة إحياء البنوك، إلا أن هذا الأمر يتطلب إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليستعيد الدور الذي أوجد لأجله».
وحول حقوق السحب الخاصة، اعتبر عيّاش أن «كيفية إنفاقها يجب أن يكون مدرجاً في الموازنة وأن يتمّ الإنفاق منها بناء على قانون».
اذاً تعدّدت خيارات تدخّل مصرف لبنان في السوق، لكن النتيجة واحدة هدر ما تبقّى من أموال المودعين من دون إحراز أي نتيجة ومن دون مواكبة تلك التدخلات إصلاحات فعلية تعيد الثقة الى البلاد بدلاً من تعزيز هوّة فقدانها بسبب عدم الإستقرار السياسي والأمني والقضائي والعدلي الذي كان أساس الملك.