سلامة يصوّب على الدعم ليصيب الاستيراد

دولار الـ 1515 يتلاشى. كان استيراد المواد الأساسية من بين الأمور القليلة التي تعتمد هذا السعر. لكن حتى هذه لن تجد طريقها إلى الاستمرار، مع بداية العمل جدياً على الحدّ من الدعم، بحجة نفاد الاحتياطي. رياض سلامة ليس همّه الاحتياطي، بعدما رمى كل موبقاته، التي أهدرت الدولارات، على الدعم. ولأنه لم يعد بإمكانه الاستمرار في هدر المزيد، صار همّه تخفيض الاستيراد تمهيداً لتخفيض العجز في ميزان المدفوعات. وذلك لا يتحقق إلا من خلال تحميل غير الأثرياء كلفة تضخم إضافي يحدّ من قدرتهم الشرائية!

الحاجة إلى ترشيد الدعم صارت ملحّة. ثمّة شبه إجماع على ذلك، حتى بين المتخاصمين في السياسة والاقتصاد. من يؤمن بأن الدعم هو حق للمواطن، لطالما شكك بأن الدعم، بطبيعته الراهنة، لا يصل إلى مستحقّيه. مئات ملايين الدولارات ذهبت إلى جيوب التجار، من دون أن يُحرّك المعنيّون ساكناً. طرح ذلك شكوكاً بشأن شبكة المستفيدين. هل من تعطّلت «أعماله» في نهب المال العام بالطريقة التقليدية، وجد في لعبة الأسعار المتعددة للدولار ضالّته؟ إن كان في السلّة الغذائية أو في المحروقات، يؤكد عاملون في الاستيراد أن التجار حققوا أرباحاً هائلة من خلال أمرين: تضخيم أسعار المنتجات المستوردة وعدم التصريح عن الحسومات التي يحصلون عليها.

على سبيل المثال، لو أراد أحد المستوردين استيراد سلع، مصنّفة في خانة المدعومة، بقيمة ألف دولار، بحسب المستندات المقدمة إلى المصرف الذي يتعامل معه، فهو يدفع مليوناً ونصف مليون ليرة، على أن يتم تحويل الألف دولار إلى الشركة المحددة في الاعتماد.

لكن أحداً لا يتأكد مما إذا كانت الفاتورة المقدّمة مضخّمة أو لا. هناك يمكن أن تكون القيمة الفعلية للفاتورة لا تتجاوز 800 دولار. في هذه الحالة، يحصل التاجر على المئتي دولار في حسابه الخارجي، والتي يضاف إليها حكماً حسم قد يصل في أحيان كثيرة إلى 30 في المئة. هذا يعني ببساطة أن المستورد يمكن أن يحصل على ما يقارب 500 دولار نقداً في الخارج، مقابل دفعه مليوناً ونصف مليون ليرة في الداخل. وهذا يعني أن ربحه المحقق من خلال فتحه اعتماداً مصرفياً بقيمة مليون ونصف مليون ليرة يمكن أن يصل إلى ٤ ملايين ليرة، يضاف إليها الربح الناتج من بيع السلع المستوردة، وربما تضاف إليها أرباح غير مشروعة أخرى من جرّاء إعادة تهريب جزء من هذه السلع إلى الخارج.

حصيلة هذه العملية أن المستهدف بالدعم بالكاد يحصل عليه، على أن تذهب «النصبة الكبرى» إلى المحتكرين وشركائهم، الذين يمكن أن يكونوا موظّفين حكوميين ومصارف وسياسيين.

هذه العملية لا تجري بشكل فردي، بل تحولت إلى سياق منظّم، بحسب مصدر يعمل في الاستيراد والتصدير. ولذلك فإن الجريمة المرتكبة في ظل شح الدولارات في البلد تصلح لتكون جريمة ضد الإنسانية، لكونها تطال لقمة عيش الناس ودواءهم.

«المصلحة» هنا ربما تفسّر عدم قيام أحد بأي خطوة تحدّ من هدر الدولارات، بالرغم من أن خطوات بسيطة كان يمكنها أن تخفض فاتورة الاستيراد أكثر، وبالتالي، الحفاظ على المتوفر من العملات الأجنبية فقط.

 

مصدرايلي الفرزلي - الأخبار
المادة السابقةذهب لبنان في مرمى العقوبات.. ماذا عن مصادرة أصول “المركزي”؟
المقالة القادمةثبات في سعر الدولار لدى الصرّافين