هذه المرة، كان موعد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع لجنة الاقتصاد النيابية. أراد أعضاؤها الاستماع إلى وجهة نظره من كل ما يجري، أسبابه وحلوله. وهو كرر على مسمعهم تحميل المسؤولية للأزمات السياسية المتلاحقة، إضافة إلى إقفال المصارف لأسبوعين وخفض تصنيف لبنان من قبل أكثر من وكالة تصنيف، والتي أدت جميعها إلى «عجز غير مألوف في ميزان المدفوعات سُجل السنة الماضية». كما حمّل المسؤولية للخوف الذي أدى إلى انخفاض الودائع بقيمة 10 مليارات دولار ما بين أيلول ونهاية كانون الأول 2019.
هاجس الجلسة، بحسب رئيس اللجنة نعمة افرام، كان أمرين: كيفية المحافظة على أموال صغار المودعين، وكيفية تأمين الأموال لتسديد استحقاقات عام 2020.
في الشق الأول، قال سلامة إن مجموعة من الإجراءات اتخذت، وأخرى ستتخذ لحمايتهم، علماً بأن 85 في المئة من الودائع تقلّ قيمتها عن 75 مليون ليرة ( 1.8 مليون مودع من أصل 2.2 مليون مودع). وفيما كانت لجنة المال قد أضافت إلى مشروع الموازنة بنداً ينص على رفع ضمان الودائع من 5 ملايين إلى 75 مليون ليرة، فإن السؤال كان: هل الملاءة لتغطية هذه المبالغ متوفرة؟ وقد كانت الإجابة بنعم. وذكّر سلامة بأنه طلب زيادة رساميل المصارف بنسبة 20 في المئة عبر مقدمات نقدية على مرحلتين، أنجزت الأولى في نهاية العام الماضي، فيما الثانية ستنفذ في حزيران المقبل.
في الشق الثاني، أي استحقاقات ديون الدولة لعام 2020، تبيّن أن مجموع هذه الاستحقاقات يصل إلى 15 مليار دولار (4.8 مليارات دولار يوروبوندز، والباقي سندات خزينة وخدمة دين)، يضاف إليه نحو 4.5 مليارات دولار عجز متوقع في الموازنة الجديدة. ولذلك، اعتبر افرام أن لا خيار أمام المصارف سوى الموافقة على استبدال سندات الدين بأخرى لآجال أطول وبفائدة أقل. لم يشأ افرام، في حديثه إلى «الأخبار»، أن يجيب عن سؤال يتعلق بموافقة سلامة على الاقتراح من عدمه. اكتفى بالقول إن الظروف الحالية تحتم على المصارف الاختيار بين خفض الفائدة وخسارة السندات. وعبّر عن اقتناعه بأنه خلال 15 سنة «كنا نموّل وحشاً اسمه عجز الموازنة من أموال المودعين». واليوم، على الجميع، وخاصة الذين استفادوا، أن يتحملوا جزءاً من المسؤولية. وهو اعتبر أيضاً أن الحل يبدأ بتأليف الحكومة وتقديم خطة لتصفير العجز واستعادة الثقة.
وفي سياق اقتراحاته لمعالجة الأزمة، تحدّث سلامة عن إمكان استحداث ضريبة على الثروة ما بين واحد واثنين في المئة (لم يحدد مقدار الثروة الخاضعة للضريبة). كما أعاد التأكيد على ضرورة أن تقتصر الموازنة على الرواتب والمصاريف الضرورية، وعلى أهمية الإسراع في تأليف الحكومة. وشرح أسباب طلبه صلاحيات استثنائية، ولا سيما ما يتعلق بالقيود على الودائع والتحويلات.
وعندما سئل عن سبب عدم فرضه إجراءات على الصرّافين تحدّ من مضارباتهم على العملة، قال إنه لا يملك الصلاحية لذلك، بل تقتصر صلاحياته على إمكانية إقفال محال الصرافة. وأعلن أنه اجتمع مع وفد منهم أمس وطلب منهم أن «يهدّوا اللعب».
بعد الاجتماع، أشار افرام إلى أن 2020 «سيشهد مزيداً من الشحّ في السيولة لدى المصارف إذا أردنا أن نعطي الأولوية لاستحقاقات الدولة اللبنانية». وقال: «خلال الاجتماع، طُرحت أفكار خلاقة لتمويل استحقاقات الدولة وعدم ضرب هيبة لبنان في المجتمع الدولي، ولا سيما أن اليوروبوند تشكل مع الفوائد 4.5 مليارات دولار وستتأمن من احتياطي البنك المركزي أو من عمليات مبادلة جديدة. أما سندات الخزينة التي تشكل مع فوائدها حوالى 15 مليار دولار فستؤمن على الأغلب من خلال عمليات swap بفوائد متدنّية. لكن الأمر غير محسوم بانتظار قرار سياسي كبير. لذا المطلوب اليوم من السلطة السياسية قرارات جريئة، ولبنان يمكن أن ينهض من الكابوس الذي نعيشه إذا ما توافرت الثقة بين السلطة السياسية والشعب اللبناني والمجتمع الدولي، عبر تنفيذ خطة مالية استثنائية بموازاة خطة خمسية اقتصادية لتصفير العجز بخمس سنوات، وعندها يمكننا أن ننهض بلبنان من جديد، ولا سيما أننا لم نخصص مؤسساته ولم تمسّ ثروته النفطية». وكشف عن «اقتراح قانون سيقدم من عدد من النواب، على رأسهم النائب ميشال ضاهر، يتحصن به حاكم مصرف لبنان إذا دعت الحاجة لتطبيق خطة متماسكة ومتكاملة متعلقة بتحويل الأموال إلى الخارج. أما بالنسبة إلى القروض والسندات المتوجبة على المواطنين، وتحديداً بعدما أصبح العديد منهم بنصف راتب أو من دون عمل، فطُرحت إمكانية تولي حاكمية مصرف لبنان وضع خطة قد تقونن ضمن اقتراح قانون خاص بالطوارئ الاقتصادية لتمديد مهل التسديد وتخفيف الأعباء على المواطنين»!
الأخبار