شدد وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام على أن علينا استخلاص العبر من الزيارة الأخيرة لوفد صندوق النقد الدولي الذي قدم فيها تفاصيل دقيقة مبنية على معطيات وشرح مفصل عن تداعيات التأخير في تنفيذ ما هو مطلوب من لبنان من إصلاحات.
يذكر أن وفدا من صندوق النقد الدولي زار لبنان أواخر الشهر الماضي ووضع النقاط على حروف الأزمة اللبنانية، ونبه رئيس الوفد ارنستو راميريز ريغو من أن التقاعس عن تطبيق إصلاحات ملحة من شأنه أن يدخل البلاد في أزمة لا نهاية لها، محذرا من أن لبنان يمر بلحظة خطيرة للغاية في ظل انهيار اقتصادي متسارع.
وأشار سلام في حديث لـ «الأنباء» الى أنه يجب الانتباه والإضاءة على كل كلمة قالها رئيس وفد الصندوق، بغض النظر عما اذا كان هناك فريق مع الصندوق أم لا، فإن السيناريوهات المتوقعة كما قال رئيس الوفد هي مزيد من الانهيار على الصعيد النقدي والاقتصادي والاجتماعي والأمني. كاشفا عن أن الوفد ركز على الجانب المالي والنقدي من الأزمة، لاسيما تدهور سعر الصرف، وأننا ذاهبون الى سعر صرف للدولار لا سقف له، والى زيادة أكبر في نسب التضخم، وعن بطالة مخيفة وانهيار اجتماعي وأمني، إذا هذا هو السيناريو العام الذي قاله وفد الصندوق.
وأوضح سلام أن الصندوق وضع للبنان خارطة الانهيار للسنوات الأربع المقبلة الى2027 في حال لم ينفذ لبنان كل الاصلاحات المطلوبة مع تطبيق خطة شاملة للتنمية الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وإلا فإن لبنان سيدخل في نفق مظلم قد يصعب السيطرة عليه أو حتى الخروج منه وقد يكون أسوأ من السيناريو الفنزويلي.
واذا ما كان الاتفاق مع صندوق النقد مهددا بالإلغاء، أكد سلام أن هناك مسألة ايجابية أكدتها لي الرئيسة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا خلال اجتماعاتنا في واشنطن، وعاد وأكده رئيس الوفد في بيروت أن صندوق النقد لن يترك لبنان، ومن الصعب أن يلغي الاتفاق المبدئي معه بالرغم من مرور ما يقارب السنة عليه، انما الصبر عند الصندوق وصل الى مراحله الأخيرة، وهو قد يمدد المهلة، ويقول بعد ذلك إن لديه أولويات في دول أخرى كأوروبا وأفريقيا.
وأكد سلام أننا أمام مأزق وتدهور سريع ولم نعد نملك الوقت الكافي في ظل الأوضاع المتدهورة، سواء على الصعيد الاجتماعي والمعيشي والاستشفائي والتربوي والأمني، وباتت قدرة لبنان على التحمل لا تتجاوز الأشهر، اذا لم نسارع الى إقرار مشاريع القوانين الاصلاحية الموجودة في مجلس النواب، لافتا إلى أن رسالة وفد صندوق النقد كانت واضحة ودقيقة في هذا الاطار.
وأكد سلام أننا ندير أزمة بامتياز ونعالج تداعيات التأخير الحاصل في أخذ القرارات الحاسمة التي كان يفترض أن تعمل على لجم التدهور ونباشر بالإصلاحات نحو التعافي وإعادة بناء الثقة بالبلد، إلا أنه مازال أمامنا فعل شيء لتدارك السقوط، وأن الحلول مازالت ممكنة، والمجتمع الدولي يقف الى جانبنا ويتعاطى معنا، وإلا فإن لبنان ذاهب الى أوضاع أكثر مأساوية يصعب النجاة منها في حال الوصول اليها، وعندها سندخل في نفق يصعب الخروج منه.
واعتبر سلام ردا على سؤال أن صندوق النقد الدولي ليس طوق النجاة الأخير، إنما دوره أساسي وهو من كبرى المؤسسات المالية في العالم. وعليه، فإن عمق الأزمة والعجز السياسي القائم وضعنا في مكان أصبحنا فيه بحاجة الى جهة مثل صندوق النقد ليهز لنا العصا ويضع لنا الاطار العملي، سواء كان على الصعيد المالي والنقدي والاقتصادي لأن النظام اللبناني القائم اثبت عجزا كاملا عن تنظيم أمور البلاد للخروج من الأزمة ومازال يتلهى بتوزيع الخسائر وإلقاء المسؤولية من جبهة الى جبهة، بينما الوطن والشعب يتهاوى وفرص النجاة تتضاءل.
ورأى سلام انه لا تصور بديل عند الحكومة راهنا الا صندوق النقد الدولي، الا أن المدخل للحل هو انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيلة حكومة جديدة فاعلة، وهذا من شأنه أن يضع لبنان على خارطة إعادة الثقة، لافتا الى أن الـ 3 مليارات دولار من صندوق النقد لا تكفي لإعادة النهوض بالبلد وهي بمنزلة «بصمة» أو «ختم» كتعبير عن الثقة.
وأشار سلام الى أن الحكومة تقدمت بمشاريع قوانين الى المجلس النيابي وهي قوانين أساسية ومدخل للمعالجة كقانون «الكابيتال كونترول» وإعادة هيكلة المصارف والسرية المصرفية التي لا يمكن لخطة التعافي ان تنجح من دونها، والقطاع المصرفي يحتاج الى قانون يحميه ويحمي المودعين، ولا يمكنها من إعادة الهيكلة دون قانون «الكابيتال كونترول» وإطار عمل واضح، فالمعادلة واضحة لا تعافي من دون إصلاحات ولا مصارف من دون قوانين، ولا اقتصاد ونمو من دون مصارف واستعادة الثقة. المطلوب قرارات وطنية قاطعة وجريئة تنقذ الوطن ولا مكان للخطيئة أو الحلول الترقيعية، وصلنا الى نقطة اللاعودة والمسار الوحيد هو الإصلاح ودولة المؤسسات والقانون.