تصريح ناري بلغ أقصى معاني الركاكة، أطلقه وزير “الاقتصاد المنهار” أمين سلام أمس الاثنين، مفاده أن قرار دولرة الأسعار هو ما أنقذ سعر الليرة من انهيار إضافي! مرّ تصريح سلام مرور الكرام، حتى خال الوزير نفسه أنه محق، وأن الجمهور على يقين بصواب قراراته الفذة، وأنه فعلياً وراء استقرار سعر صرف الدولار في محيط 89000 ليرة، متناسياً أن سعر الليرة بلغ أدنى مستوياته على الإطلاق إثر قراره الشهير بدولرة الأسعار.
ما قاله سلام
كتب سلام على حسابه على منصة إكس “تعرّض قرار دولرة الأسعار الذي اتخذناه منتصف شهر شباط الفائت، لكثير من الانتقاد في حينه، لكن مع الوقت تبيّن كم كان هذا القرار واقعياً وحكيماً”. متسائلاً: “ألم يستقر سعر الدولار وانخفض خلال السنوات الماضية تحديداً بعد هذا القرار؟”.
وتابع سلام تغريدته بالقول “أثبت القرار اليوم قدرته على المحافظة على سعر الصرف، وكذلك على تخفيف الضغوط عن كاهل مصرف لبنان، الذي بات قادراً على التدخل في السوق بهدوء” وسأل: “تخيّلوا لو كان المواطنون اليوم ملزمين بالدفع بالليرة اللبنانية حصراً في ظل هذه الظروف المتشنجة.. ألم يكن سعر الصرف أضعاف ما هو عليه اليوم؟”.
العديد من المغالطات شابت كلام سلام. وهو البعيد كل البعد عن أي تحليل اقتصادي علمي. وقد استدعى كلامه ردوداً مهينة من المواطنين، الذين عبروا عن انهيار القدرة الشرائية جراء قراره دولرة الأسعار. وكثر من منتقدي كلام الوزير لم يروا بتصريحه السطحي سوى التعجرف والإشادة بقراراته الفارغة وإنجازاته غير المنظورة.
أما قراره دولرة أسعار السلع، فلا يتعدى كونه إجراء تنظيمياً وليس قراراً علمياً اقتصادياً، على ما يقول الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة، وهو (أي قرار الوزير) أدى من دون شك إلى تسهيل التعاملات بين المستهلكين والأسواق وتنظيم العلاقة النقدية فيما بين الطرفين. وبالتالي، خفض الطلب على الدولار.
دولرة الرواتب.. والتضخم
ويلفت حبيقة إلى أمر أساسي أدى إلى استقرار سعر صرف الدولار، يفوق بمفاعيله بكل تأكيد قرار دولرة أسعار السلع، هو دولرة المداخيل: “فلولا دولرة شريحة كبيرة من المداخيل لما كان لقرار دولرة أسعار السلع أي أثر. بمعنى آخر، إن دولرة المداخيل وخفض الكتلة النقدية بالليرة كان لها الدور الأكبر باستقرار سعر صرف الدولار”، على ما يقول حبيقة، “فالمواطنون باتوا بغالبيتهم يتقاضون رواتبهم بالدولار أو جزءاً منها بالدولار ويشترون من الأسواق بالدولار”.
ولا ننسى تراجع القيمة الفعلية للدولار، بمعنى أن القدرة الشرائية تراجعت كثيراً مع ارتفاع التضخم وفوضى الأسعار السائدة في الأسواق. وقد عزّز تلك الفوضى قرار دولرة الأسعار لاسيما في ظل تعدد معدلات سعر صرف الدولار بين متجر وآخر، كما كان حال التسعير بالليرة، وفي ظل غياب الرقابة على الأسواق من قبل الوزارة نفسها.
باختصار، لا يمكن اعتبار قرار دولرة أسعار السلع قراراً علمياً، إنما هو إجراء لتسهيل التعاملات بين المستهلك والأسواق، ومنفذ لجني مزيد من الأرباح للتجار على حساب المستهلك.
مسار الدولار الصعودي
وتصويباً لنظرية سلام العقيمة، لا بد من المرور على المسار الذي سلكه سعر صرف اللدولار من تاريخ إقراره دولرة الأسعار حتى اليوم.
صدر قرار دولرة أسعار السلع في 1 آذار 2023. حينها كان سعر صرف الدولار تحديداً 88600 ألف ليرة، وحينها بدأ سعر صرف الدولار رحلته الصاروخية إلى رقمه القياسي في مقابل الليرة فبلغ 128000 ليرة في 21 آذار، ولامس 140 ألف ليرة خلال فترة زمنية قصيرة جداً، ثم تراجع سعر صرف الدولار تدريجياً حتى 23 آذار حين بلغ 107000 ليرة، واستمر عند مستوى 107000 إلى 106000 ليرة حتى الأول من نيسان 2023.
ثم دخل سعر الدولار جولة تراجع جديدة استمرت لأيام حتى 5 نيسان، حين بلغ 98000 ليرة. واستمر عند هذا المستوى حتى تاريخ الأول من شهر أيار 2023، وأخذ الدولار بالتراجع البطيء من دون أن يكسر حاجز 90000 ليرة نزولاً حتى تاريخ الأول من شهر آب، حين تسلم نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري مهام الحاكمية، متخذاً قرار وقف نزف الدولارات، وعدم إقراض الدولة أو الإنفاق على منصة صيرفة من دولارات المركزي.
وبصرف النظر عن مدى صوابية سياسة منصوري وأثرها في تراجع سعر صرف الدولار واستقراره في محيط 89000 ليرة، منذ الأول من آب وحتى اللحظة، إلا أن الدولار من دون شك استمر بتسجيل مستويات مرتفعة عقب قرار سلام دولرة أسعار السلع.
وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى خطورة تراجع القدرة الشرائية وارتفاع التضخم خلال مرحلة ما بعد قرار سلام، لما لها من علاقة وطيدة بمسألة دولرة أسعار السلع والتضخم وتوسّع عملية الإفقار.