أواخر عام 2022، خرج إلى العلن، للمرة الأولى، الخلاف بين وزير الاقتصاد أمين سلام وشركات التأمين. إدانة سلام، يومها، لشركاتٍ احتالت على متضرري انفجار الرابع من آب كانت في محلّها. لكن توقيت إثارة القضية، بعد عامين على الانفجار، أثار شكوكاً حول الخلفيات. يومها، وُجّهت اتهامات إلى كريم سلام، شقيق الوزير ومستشاره المالي، بمساومة الشركات على تسوية أوضاعها في هيئة الرقابة مقابل مبالغ مالية معيّنة.
لكن سرعان ما نامت قضية تعويض متضرري المرفأ، رغم أن الشركات دفعت أقل من نصف المستحقات (مليار ومئة مليون دولار)، باللولار، أو بما يراوح بين 10% و20% من حقوق المتضررين مقابل تنازلهم عن المبلغ المتبقي وتبرئة ذمة الشركات التي توعّد سلام بمحاسبتها لممارستها «الإثراء غير المشروع» و«السرقة الموصوفة».
السيناريو نفسه يتكرّر اليوم، على خلفية طلب عددٍ من الشركات الضامنة (شركات التأمين) تجديد تراخيصها. فبعدما اشترط سلام على الشركات إجراء دراسات حول ملاءتها المالية، ساهم التعثّر المالي لعددٍ من الشركات التي تحتاج إلى معالجة أوضاعها في إيجاد بابٍ لابتزازها، بإلزامها بإعداد الدراسة عبر شركة تدقيق يملكها فادي تميم، مستشار الوزير، لقاء مبالغ ضخمة. وبحسب المعلومات، فقد تواصل تميم مع الشركات لإتمام «الديل» بـ«تكليف من كريم سلام»، وهُدّدت الشركات التي رفضت بعدم تجديد تراخيصها. ومن بين الشركات التي دفعت لإعداد «الدراسة»، شركة «المشرق» التي يملكها رئيس بلدية بيروت عبد الله درويش والنائب السابق إليكسي ماطوسيان، قبل أن يقدّم درويش شكوى أمام المدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، مرفقة بشريط فيديو يظهر فيه تميم وهو يتقاضى مبلغ 100 ألف دولار كدفعة أولى من 300 ألف مقابل «إعداد الدراسة». وأوقف إبراهيم كلاً من فادي تميم وكريم سلام، وفيما أبقى على الأول موقوفاً، أفرج عن الثاني مع احتجاز جواز سفره، واستدعائه أكثر من مرة إلى التحقيق.
وبحسب المعلومات، فقد زار وزير الاقتصاد عين التينة والسرايا الحكومية لحلحلة القضية، «خشية أن تكرّ سبحة الاعترافات، ولا سيّما أنّ هناك نيّة بالتوسّع في التحقيقات بعدما بات الملف في عهدة رئيس الهيئة الاتهامية في بيروت القاضي ماهر شعيتو، إلى ما هو أبعد من تجديد الرخص، وخصوصاً أن اسم كريم سلام تكرّر في أكثر من ملف دارت حوله الشبهات، وآخرها تعويضات انفجار المرفأ».
وبسحر ساحر، حلّ وزير الاقتصاد في الأيام الأخيرة من 2023 ضيفاً على مآدب شركات ووسطاء التأمين، محاضراً عن أهمية القطاع. وتخطى الطرفان الاتهامات المتبادلة بعدما «تقاطعت مصالح الطرفين. فالوزير بحاجة إلى إظهار أن الملف القضائي سياسي الطابع، بهدف كبح طموحه لدخول نادي رؤساء الحكومات، والشركات ستربح غضّ نظره عنها»، وفق متابعين.
قضائياً أيضاً، أصدر مجلس شورى الدولة قراراً بوقف تنفيذ قرار وزير الاقتصاد تعليق ترخيص شركة «المشرق». واللافت في قرار «الشورى» ورود عبارة تصف تصرّف الوزير بأنّه «يُمارس الصلاحيات الممنوحة له للتشفي من الجهة المستدعية التي لم ترضخ للابتزاز». واعتبر أنّ سلام «يُخالف القانون»، إذا ما علّق تراخيص الشركات من «دون استشارة المجلس الوطني لهيئات الضمان». وهو المجلس المنوط به منح أو تجديد أو تعليق رُخص شركات التأمين، و«الذي يمتنع سلام عن تشكيله»، ما يفسح المجال أمام الوزير وفريقه بإدارة الأمور على هواهم.
وكما جرى تغييب دور المجلس، عُطّل عمل لجنة الرقابة على هيئات الضمان. وفي التفاصيل، فإن رئيس هيئة الرقابة إيلي معلوف استقال منتصف عام 2022 للعمل في القطاع الخاص، ولم يعيّن سلام بديلاً منه، لينفرد بالصلاحيات الكاملة التي أصبحت بين يديه بحكم القانون.