7 سنوات بالتمام والكمال مرّت على إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي شكلت لاحقاً احد اسباب الانهيار المالي نهاية عام 2019. اليوم يُعاد البحث في اعداد سلسلة رتب ورواتب جديدة للقطاع العام ما يفرض بعض المحاذير لئلّا يُعيد التاريخ نفسه.
ارتفعت في الفترة الاخيرة وتيرة اللقاءات التي تعقد في السرايا للبحث عن تصور وايجاد صيغة لسلسلة رتب ورواتب جديدة للقطاع العام. ورغم أحقية هذا المطلب الّا ان مجرد تَلفّظ عبارة «سلسلة رتب ورواتب» تعود الى الاذهان فوراً «التخبيصات» وما رافقها من تداعيات مالية لدى اقرارها في تموز من العام 2017. فهل ما تتم مناقشته اليوم في السرايا هو سلسلة رتب ورواتب جديدة ام مجرد بحث عن اعطاء زيادة لموظفي القطاع العام من خارج الراتب كما عمدت الحكومة الى ذلك مراراً؟ واذا كان النقاش يدور عن سلسلة رتب ورواتب جديدة، ما هي المحاذير التي يجب اخذها في الاعتبار لدى مناقشة اي سلسلة جديدة؟ وما الخطوط الحمراء التي لا يجوز القفز فوقها تجنّباً لتكرار تجربة 2017؟
في السياق، أوضح الخبير الإقتصادي عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي أنيس بو دياب لـ«الجمهورية» انه حتى الآن جرى تقديم عدة مقاربات لموضوع رواتب القطاع العام، إحداها الطرح الذي تقدّمَت به رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي على الأمد الطويل، والذي يَلحظ اصلاحات للقطاع العام مع سلسلة، وهذا يتطلب قانونا وورشة عمل تستغرق وقتا اطول وحكما لا يمكن لحكومة تصريف الاعمال البَت به. لكن في موازاة ذلك، هناك طرح آخر تتم مناقشته ويتميّز بمَساره الاقصر والاقرب الى التنفيذ، وهو لا يزال في مرحلة احتساب الكلفة بشكل دقيق، ويقضي هذا الاقتراح بإضافة 4 رواتب لموظفي القطاع العام يُعطى منهم 2 هذا العام و 2 مطلع العام المقبل 2025. ويؤكد المطلعون من خارج اللجنة ان واردات الخزينة الحالية تكفي لتغطية تمويل هذه الرواتب الاربعة، ونحن نتحدث هنا عن ايرادات خزينة للعام 2024 زادت مقارنة مع العام الماضي بشكل يسمح بهذه الزيادة، لكن لا شك انّ هناك بعض النفقات التي قد تَستجِد ناتِجة عن الحرب، والتي يمكن ان تعطل بعض الامور.
وأوضح بو دياب انه مع هذه الزيادة يتوقع ان ترتفع كلفة الرواتب من 120 مليون دولار حالياً الى نحو 155 مليون دولار شهرياً، والملاحظ ان الايرادات ارتفعت من 250 مليون دولار شهرياً الى 300 مليون دولار، وهذا يعني ان حوالى 50% من ايرادات الخزينة سيذهب لتسديد كتلة الرواتب والاجور. علماً انه حاليّاً، أي قبل اعطاء زيادة للقطاع العام، فإن 35% من ايرادات الخزينة تستعمل لتسديد الرواتب والاجور.
وتعقيباً على ذلك، أكد بو دياب ان حصة الاجور من ايرادات الخزينة غير سليمة ولا يمكن الاستمرار بسياسة الترقيع هذه التي تضرب معاشات نهاية الخدمة والمتقاعدين، لذا لا بد من سلسلة رتب ورواتب جديدة، كما يُحكى عن تمديد سنوات الخدمة سنتين اضافيتين ريثما يتم ايجاد حل لمشكلة تعويضات نهاية الخدمة.
وتابع: على خط مواز، حَملت مشموشي الى اجتماعات السرايا اقتراحاً يقضي برفع الرواتب 46 ضعفاً، إنما على مراحل تمتد على خمس سنوات على ان تعود قيمة الرواتب بعد انقضاء هذه المدة الى ما كانت عليه قبل الـ 2019. وفي الوقت نفسه، تقترح مشموشي وقبل السير بهذا الاقتراح، اعادة النظر بالقطاع العام. ونحن نؤيّد هذا الطرح لأنّ القطاع العام على ما هو عليه راهناً هو قطاع غير منتج من الكهرباء الى الاتصالات الى النقل العام…
أخطاء السلسلة… لئلا تتكرّر
رداً على سؤال عن ابرز الملاحظات التي يجب أخذها بالاعتبار لدى بدء البحث بسلسلة رتب ورواتب جديدة كي لا تتكرر تداعيات السلسلة التي أُقرّت عام 2017، قال بو دياب: لا يجوز اقرار اي سلسلة رتب ورواتب جديدة قبل اقرار اصلاحات القطاع العام. في الحقيقة ان المشكلة التي بدأت عام 2017 تَتلخّص في انّ السلسلة أُقرّت على اساس انّ حجمها 800 مليون دولار، ما لبثت ان ارتفعت الى مليار و 200 مليون دولار وصولاً الى 3 مليارات دولار من دون معرفة الاسباب. وهذا إن دَلّ على شيء فعلى الهدر الفاضح في القطاع العام وفوضى الرواتب وفوضى التوصيف الوظيفي. فهل يعقل انّ لدينا ما بين 7 الى 10 تسميات وظيفية مثل أجير، ملاك، متعاقد، عامل بالفاتورة، بالساعة….؟ الاجدى توصيفها بالفوضى الوظيفية، ومنها على سبيل المثال انه يسمح للموظف في بعض الحالات ان يتقاضى أكثر من راتب من الدولة اللبنانية.
انطلاقاً من ذلك، يرى بو دياب ان الهاجس الاول اليوم، وقبل اقرار اي سلسلة، يجب ان يتمثّل في اعادة انتظام الدولة واعادة هيكلة القطاع العام وإصلاحه. فهل يعقل في العام 2024 انه لا يزال في الدولة اللبنانية مهنة «محتسب» و«مستكتب» و«عامل دكتيلو» في وقت ما عاد «للدكتيلو» وجود؟! نحن اليوم في مجتمع متقدم ومتطور فهل يجوز ان يكون من احد شروط التوظيف الحصول على شهادة بريفيه في حين انّ هذه الشهادة شبه ملغاة !!
وشدد بو دياب كذلك على ضرورة العمل على ايجاد ايرادات مستدامة لتمويل هذه السلسلة اذ لا يمكن تمويلها بالعجز كما حصل عام 2017، ناهيك عن الحجم المضطرد للقطاع العام…