حوّلوا ودائع سياسيين ونافذين ومصرفيين وكبار مودعين من لولار إلى دولار
تواطأت المصارف مع مصرف لبنان خلافاً لمصلحة زبائنها المودعين
تقدّر التوزيعات التي حصلت عليها المصارف وأصحابها بنحو 40 مليار دولار
منذ 2014 لم يعد “المركزي” يملك أي دولار… فبدأت صناعة اللولار
بين 2014 و2019 وزع مصرف لبنان فوائد بقيمة 47 مليار دولار لم يكن يملكها
كل دولار خرج من لبنان بين 2014 و2019 فيه شبهات عملية نصب احتيالي
بين دولار حقيقي و»لولار» قيدي حدثت اكبر عملية سطو على مدخرات اللبنانيين وجنى اعمارهم. فقد وقع ميزان المدفوعات اللبناني، من العام 2011 وصولاً الى العام 2019، بعجز سنوي متراكم ومتفاقم بلغت محصلته القيدية 27.1 مليار دولار اميركي، والقيمة هذه ليست القيمة الفعلية والتي هي اكثر من ذلك، اذا اخذنا بالاعتبار تدفقات مالية غير مرئية كالمال السياسي وعوائد تجارات غير شرعية. هذا ما يؤكده الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان. وفي ما يلي نص حوار مالي مصرفي مع الدكتور سليمان:
كيف حصلت صناعة «اللولار» كأرباح مزيفة؟
إنطلاقاً من نهاية العام 2014 وبداية العام 2015 بدأت أكبر عملية نهب مقونن ومشرع، كان أبطالها مصارف لبنانية بتواطؤ واضح من مصرف لبنان، الذي بدأ بـ»طباعة» دولار قيدي وهمي، خلافاً للقانون وخلافاً لقانون النقد والتسليف الذي يسمح له بصناعة الليرة اللبنانية وليس صناعة اية عملة اجنبية.
تستطيع الحكومة اللبنانية ان تستدين بالعملة الاجنبية ومن الاسواق الخارجية او الداخلية، لكن مصرف لبنان غير مخول ان يسجل من حساباته دولارات لا يملكها ولا يحوزها، بل «يصطنعها»، بان يستولي عليها من ودائع البنوك الوطنية دون موافقة اصحابها، كما دون عقود شخصية مع اصحاب الودائع انفسهم، وليس مع ادارة مصارفهم التي تواطأت مع المصرف المركزي خلافاً لمصلحة زبائنها.
فوفق ما ورد في الصفحتين 112 و125 من كتاب الرئيس فؤاد السنيورة، « الدين العام في لبنان» فإن حساب مصرف لبنان من العملات الأجنبية كان سلبياً عام 2015. بما معناه أنه بنهاية عام 2014 لم يعد مصرف لبنان يمتلك عملات أجنبية. والجدير بالذكر ان حجم الودائع الموجودة في المصارف، كان في نهاية سنة 2010 نحو 108 مليارات دولار أميركي، وكانت موجودات مصرف لبنان من العملات الاجنبية ايجابية، في تلك السنة. لكن لم تنته سنة 2014 حتى فقد مصرف لبنان 6 مليارات دولار كانت كل موجوداته من العملات الاجنبية (دون احتساب الاحتياط الإلزامي طبعاً). وفي ظل استمرار العجز في ميزان المدفوعات فان نمو الودائع المصرفية في نهاية سنة 2014 وعلى مدى اربع سنوات خلت، لم يغطِ مجموع الفوائد المقيدة على الودائع، والذي لا يعكس نموها نمواً حقيقياً لرساميل موجودة حقيقة في المصارف اللبنانية، بل ارصدة قيدية هي لولار وهمي بدل ان تكون دولاراً حقيقياً.
على الارجح اقل من /112/ مليار دولار أميركي هي مجموع الودائع بالدولار الحقيقي نهاية سنة 2014. هذا رقم يجب ان نحفظه جيداً.
كانت هذه الودائع تتناقص بشكل سنوي، متراكم ومضطرد، لكن الارقام المعلنة لودائع المصارف كانت في تصاعد مستمر.
قيدياً ووهمياً بلغت الميزانية المجمعة للمصارف التجارية بنهاية العام 2019 نحو 216.7 مليار دولار. فيما بلغت ايضاً وهمياً وقيدياً ودائع المصارف163.7 مليار دولار نهاية عام 2019.
إن بداية سنة 2015 هي تاريخ دخل بعده مصرف لبنان وبدأ صناعة اللولار وقيمة اللولار المطروح في السوق هو 47 مليار دولار، يضاف اليها النمو الحاصل في موجودات المصارف (المجموع حوالى 53 مليار دولار).
هكذا تم خلط «اللولار» بـ»الدولار»، و حُوّل «اللولار» إلى «دولار» لبعض الأشخاص والنافذين من السياسيين وحاملي اسهم البنوك ورجال اداراتهم العليا وبعض كبار المودعين. ولأشخاص آخرين حُوّلت «دولارتهم الحقيقيّة» إلى «لولار». وهذا الامر هو ما اوصلنا الى واقع ان هناك «ما هو معروف بالودائع القديمة، وهناك الودائع الجديدة بـ»اللولار»، وهي بدعة اخترعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واجبر الناس دون وجه حق على التعامل بها».
كيف تطورت الأمور بعد بدء خلق الدولارات الوهمية؟
في نهاية عام 2014 لم يعد مصرف لبنان يمتلك عملات أجنبية، وخاصة في ظل إنشاء نظام «مقاصة» لبنانية محلية للدولار الأميركي. ومع تفاقم عجز ميزان المدفوعات، كانت «الدولارات الحقيقية» تتناقص بينما الودائع الإجمالية القيدية ترتفع مع الفوائد؛ كان حجم «اللولارات» يتزايد على قيود البنوك، وكانت دفاترها تسجل ارباحاً مزيفة غير مسبوقة، وكان حاملو اسهمها ينعمون بعوائد مجزية، وكبار موظفيها بمكافآت سنوية كبيرة. في المقابل مع كل انفاق حكومي او متوجبات معيشية مستوردة من الخارج، كانت «الدولارات الحقيقية» تنخفض ويتقلص حجمها. وتفاقم الامر بعد ان دخل النظام المصرفي في مزايدات على الفوائد من 7 إلى 10 إلى 15 إلى 18%، فتضخمت أرباح المصارف وكبار المودعين، وحصل توسع في توزيع الأنصبة على المساهمين والبونصات على كبار المصرفيين التنفيذيين».
بين عامي 2015 و2018، وزّعت المصارف أنصبة أرباح على مالكي الأسهم العادية بما يفوق 3 مليارات دولار، أما مجموع «الأنصبة» التي وزّعتها بين 2011 و2018 فقد بلغ 7 مليارات و246 مليون دولار. هذه المبالغ ليست كامل الأرباح التي حققتها البنوك العاملة في لبنان، بل ما وزّعته على أصحابها ومالكي الأسهم فيها.
ذلك التوزيع كان من أصل دولارات حقيقية متناقصة، وتقدّر التوزيعات جميعاً بنحو أكثر من 40 مليار دولار.
من عام 2011 إلى 2019 كانت الدولارات الحقيقية في القطاع المصرفي في إنخفاض مستمر، وبلغ حجم تراكم عجز ميزان المدفوعات حوالى 27.1 مليار دولار، بمعنى أنه إذا أخذنا حجم الودائع الحقيقية في القطاع المصرفي عام 2011 والذي كان يُقارب الـ 112 ملياراً، فان المنتظر ان يكون لدينا سنة 2019 دولارات حقيقية بالقطاع المصرفي اقل من حواليى 85 مليار دولار(الارجح 70 ملياراً اذا احتسبنا نزفاً للدولارات نقديا بـ 15 مليارا غير ظاهر في ميزان المدفوعات). وهذا الرقم تتم مقارنته برقم 163.7 مليار دولار الرقم الرسمي لودائع القطاع المصرفي سنة 2019 الفارق بين 78 و 93 مليار دولار هي كتلة اللولار.
لكن ماذا عن تمويل مصرف لبنان والمصارف للدولة؟
ينبري اصحاب المصارف ومرتزقتهم من الخبراء والاعلاميين الى الإعلان ان هذه الدولارات الحقيقية ذهبت لتغطية الدين العام للخزينة والذي وصل الى رقم فاق هذا الرقم حيث بلغ 91 مليار دولار، فهل تعكس هذه الفكرة الحقيقة تماماً. أي ان نمو الدين العام هو الذي بدد مبلغ الدولارات الحقيقية!؟ والحقيقة ان تغطية ارقام الدين العام ونموها المطرد كانت تتم بعمليات «سواب» بين المصارف ومصرف لبنان، حيث يتم تسديد سند دين مستحق، بسند دين اعلى قيمة من السابق، وان النزف الذي يمكن ان يصيب الدولارات الحقيقية، بسبب الدين العام هو قيمة مستوردات او قيمة تحويلات او ما يتم اخراجه خارج النظام المصرفي اللبناني نقداً او الى خارج لبنان.
ينطبق نفس الامر على التسليفات التي تمدها المصارف لزبائنها، فلو فرضنا ان مصرفاً منح زبونه قرضاً اسكانياً لشراء بيت بمليون دولار مثلاً، وان البائع اخذ المليون دولار من الشاري واودعه في حسابه في بنك آخر، فان رصيد النزف في الدولارات الحقيقية هو صفر في هذه الحالة، طبعاً في المثال المدرج هنا، ثمة نزف جزئي للدولارات الحقيقية هي قيمة المستوردات من الخارج لزوم بناء البيت وتأهيله أو لزوم شراء سيارة اجنبية، وهذه النتائج ستظهر مفاعيلها واثرها في ميزان المدفوعات الذي احتسبناه اعلاه.
إذن أين ذهبت الدولارات الحقيقية أو القسم الأكبر منها؟
قامت المصارف بإستثمارات في الخارج من خلال توسع الجهاز المصرفي والفروع ومكاتب التمثيل والمؤسسات المالية الشقيقة للمصارف اللبنانية. حيث يتبين لنا عبر الدخول إلى تقارير جمعية المصارف بأن التوسع الخارجي للمصارف اللبنانية وإنطلاقاً من عام 2013 وحتى عام 2018 أصبح تقريباً يوازي حجم التوسع الداخلي للمصارف.
فقد طورت المصارف اللبنانية في مرحلة اولى وحتى سنة 2014، شبكة إنتشار خارجي واسعة عبر تواجد 17 مصرفاً لبنانياً في 31 بلداً في الخارج خصوصاً في اوروبا والخليج، وبأشكال عديدة كمكاتب التمثيل والفروع الخارجية والمصارف الشقيقة أو التابعة. وتتعامل المصارف في لبنان مع أكثر من 170 مصرفاً مراسلاً في 62 بلداً حول العالم. (المصدر: جمعية مصارف لبنان/ نهاية عام 2014).
فكيف تمكَّنت المصارف من إقامة وإنشاء هذه المؤسسات في الخارج؟ هي قامت بإخراج الودائع والدولارات الحقيقية. فالمصارف وحدها استثمرت بقيمة مقدرة بنحو 4.5 مليارات دولار في الخارج. وكل استثمارات المصارف كانت تتم بموافقة مصرف لبنان وبإشرافه المباشر.من أين أتت بهذه الودائع لتخرجها؟ فبدل أن يكون لديها حيازة لرقم سقفه 70- 58 مليار دولار حقيقي، وهي عائدة للمودعين، إلا أنها وبالإتفاق مع مصرف لبنان كان لديها 163.7 مليار دولار قيدي. ويتبين بأن مصرف لبنان وزع ما بين عام 2014 إلى عام 2019 فوائد تترواح قيمتها على الاقل حوالى 47 مليار دولار لم يكن يملك منها أي دولار، استنتاجاً لما ذكره السنيورة في كتابه».
بالتالي كانت هذه الدولارات «قيدية ووهمية» ساهمت في صناعة كتلة نقدية من «اللولار» وهو دولار «وهمي» ليس له أي قيمة خارج لبنان، وتم خلط اللولار مع الدولارات الحقيقية. هذا ما أتاح للمصارف بأن تقول بأنها تربح، في حين لم تكن تربح. بل كانت تسجل لها أرباح وهمية قيدية، وبما أنها تربح ولو بشكل مزعوم، فان لها الحق في أن تفتح فروعاً لها في الخارج، أي أن تستعمل الدولارات الحقيقية التي لديها من أموال المودعين وتحولها إلى الخارج، أي تحول دولاراتها القيدية «اللولار» إلى دولار في الخارج.
الاستنتاج أنّ كل دولار خرج من لبنان وحُوّل إلى الخارج منذ عام 2014 حتى 2019 هو «عملية نصب إحتيالي» لتحويل «لولارات» قيدية وزّعها مصرف لبنان إلى دولارات حقيقية.
مَن فعل ذلك؟
الذين إستفادوا من الهندسات المالية هي البنوك التي سجلت سندات خزينة وشهادات ايداع و»يوروبوند» والتي قامت بعدة استثمارات في الخارج. ويتبين أن التوسع بفروع الخارج لدى المصارف قد وصل إلى أن يكون لدى بعضها فروع بالخارج قد يساوي عددها نصف عدد فروعها في الداخل. ففي عام 2014 كان عدد فروع الخارج يُقارب الـ27% من عدد فروع الداخل للمصارف. والفروع الخارجية شكلت المنصة التي استقبلت هروب الرساميل اللاحق.
إضافةً إلى ذلك، إنّ «جماعة المصارف أو إدارة المصارف لجأوا إلى رهن أسهمهم، أي ان حامل الأسهم بالمصرف أو إدارة المصرف قام ببيع أسهمه لمصرفه. فمن المُفترض أن رساميل الأسهم أي رساميل المصارف تكون مودعة لدى مصرف لبنان، ولا يحق لصاحبها المسّ بها وإلا فقد ملكية مصرفه. وبالتالي، قام مدراء المصارف حاملي الأسهم، بالإستدانة من مصارفهم ورهن أسهمهم لدى المصرف الذي يملكونه، وأخرجوا الأموال إلى الخارج، وعند «انفجار الأزمة» سدّدوا الديْن المتوجب عليهم من أجل إستعادة أسهمهم على سعر 1500 ليرة للدولار.
يضاف الى ما تقدم، فقد اقدمت المصارف على رفع ارصدتها لدى المكاتب المراسلة في الخارج بمبلغ وصلت زيادته الى 6 مليارات دولار أميركي.
ومن الواضح ان كل هذه الممارسات هي عملية إحتيال مفضوح كان مصرف لبنان يُغمض عينيه عنها
ما الخطأ الذي ارتكبه البنك المركزي على صعيد التوسع المصرفي في الخارج؟
إنّ أكبر خطيئة موصوفة إرتكبها المصرف المركزي، هو السماح للمصارف بإخراج الأموال للخارج لتأسيس شركات شقيقة، فهذا يساهم بتكبير حجم العجز في ميزان المدفوعات، في وقت يشتري مصرف لبنان التدفقات المالية الخارجية الى لبنان بأسعار فائدة، باهظة الثمن، وفي الوقت عينه إن الأموال التي تصدرها المصارف إلى الخارج هي دولارات «قيدية» ناتجة عن أرباح مزيفة لانها نتيجة الفوائد القيدية، أي اللولار وعندما أصبحت في الخارج بعد تحويلها، أصبحت «دولارات حقيقية».
إنّ مصرف لبنان تغاضى وتواطأ مع أصحاب المصارف لتحويل «اللولارات» إلى «دولارات»، ووصلنا إلى نتيجة مؤداها بأن أصحاب الدولارات الحقيقية تحولت دولاراتهم إلى «لولار»، بينما أصحاب «اللولارات» تحولت إلى «دولارات حقيقية». النتيجة الصادحة بالحقيقة ان كل من حوَّل أمواله الى الخارج لغير هدف الاستيراد بين نهاية عام 2014 و2020 هو شخص حول قسماً من «اللولارات» إلى «دولارات حقيقية»، أي أخذ من الودائع الحقيقية، وبكلمة اخرى «سرق» من أموال ودولارات المودعين الذين تركوا ودائعهم في المصارف اللبنانية حتى انفجار الازمة».
من اين تبدأ نقطة التصحيح الأساسي؟
إنّ نقطة التصحيح الأساسي، يجب أن تنطلق من العودة إلى نهاية عام 2014 وفصل الحسابات المصرفية حساباً بعد حساب، بحيث يتم فصل كل حساب مصرفي الى حسابين؛ واحد بالدولار الحقيقي وحساب آخر بـ»اللولار».
الدولار الحقيقي هو الدولار الذي أتى من الخارج أو أتى نتيجة بيع عقار او كان رصيداً قبل نهاية سنة 2014 إلخ… أما كل دولار أتى من الفوائد فهو «لولار». لأن مصرف لبنان كان يُوزّع فوائد من دون أن يكون لديه دولارات، وذلك في ظل عجز ميزان المدفوعات وبالتالي هذه «اللولارات» تسجل كـ «لولار»، ويتم إعادة النظر في حساب كل مودع.
ولتوضيح الامر نورد المثال التالي: لو فرضنا ان مواطناً لديه حساب مصرفي بقيمة 100 ألف دولار قبل سنة 2014، فبعد 6 أو 7 سنوات أصبحت الـ 100 ألف مع فوائدها 200 ألف دولار، فإذا قام بتحويلها الى الخارج في بداية عام 2019، عندها يكون أخذ الـ 100 ألف دولار الاولى والتي هي حقه، إلا أنه يكون سرق الـ 100 ألف الأخرى من صاحب وديعة أخرى، لأنّ المبلغ الذي أصبح 200 ألف دولار هو في الحقيقة 100 ألف دولار حقيقية، اضافة لـ 100 ألف لولار، وعند تحويلها إلى الخارج أصبحت 200 ألف دولار حقيقية، وبالتالي التصحيح المالي يبدأ من هنا أي بالعودة إلى عام 2014.
هل ما تطرحه يعدّ قانونياً، أي هل هو شرعي؟
هل يحق لنا أن نفرض على شخص ما، حوَّل طبقاً للقانون أمواله من لبنان إلى الخارج بين عامي 2014 و2019 ولم يخالف القانون بأي شيء؟ وبالتالي هل من العدالة والإنصاف استرداد أموال قام بتحويلها مواطنون أسوياء تحت سقف قانون النقد والتسليف، وتم نقلها الى الخارج؟
الجواب: «بالطبع يحقّ لنا ذلك»، لماذا؟
أولاً لان انهيار لبنان المالي له توصيف عالمي ودولي وهو Ponzi scheme. وقد اعتمدت هذا التوصيف كل الجهات الدولية وخبراء المال والمحاسبة في العالم. وهذه هي عملية احتيالية يلجأ اليها صانعها الى توزيع ارباح عالية ومزيفة على ودائع قديمة لغواية مودعين جدد، والارباح المزيفة يتم اقتطاع مبالغها من ودائع جديدة، تدوم العملية اشهراً او سنوات وسرعان ما تنفجر ازمة وتسجل خسائر كبيرة في حسابات المودعين الجدد الذين لم يستوفوا ودائعهم قبل الانفجار وتبيان الخديعة. وهو امر تكرر مراراً حتى حدث في لبنان، ولعل آخر واكبر عملية «بنزي سكيم» كانت مع مادوف في اميركا، فكيف تصرف القضاء الفدرالي الاميركي في قضية مادوف وما هي الاحكام التي صدرت لمعالجة الازمة وتعويض الخسائر؟
إستناداً الى الحكم القضائي الفيدرالي في أميركا في قضية مادوف وهي أشهر قضية «بانزي سكيم» قبل كارثة لبنان، أصدرت المحكمة الفيدرالية الأميركية حكماً فيدرالياً مبرماً «يقضي بأن الأرباح التي وزعها مادوف على عملائه لم تكن أرباحاً حقيقية، بل كانت أموالاً مقتطعة من ودائع جديدة تدفع كأرباح مزعومة لودائع قديمة» وبالتالي فهي اموال مودعين جدد جرت سرقتهم، والمسروقات تسترجع. المفهوم هذا يمكن أن يطبق على مجموع «الدولارات القيدية» او اللولارات التي سجلت كفوائد على الودائع في لبنان، وهي قيود ودولارات وهمية غير موجودة تماماً كأرباح مادوف التي وزّعها، والتي حكمت المحكمة الأميركية الفيدرالية بإستردادها.
عملياً منذ بداية العام 2015 أصبحت موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية سلبية (كتاب الدين العام اللبناني/ فؤاد السنيورة ص 125،) وأصبحت الفوائد التي يُقيدها مصرف لبنان لكل مودع أرقاماً وهمية، تماماً كالأرباح التي وزعها مادوف في أميركا والتي اعتبرتها المحكمة الفيدرالية الأميركية، بحكم قضائي مبرم أموالاً مسروقة، يتوجب استعادتها من قدامى المودعين، الذين تركوا مادوف قبل إنهياره، لصالح تغطية خسائر المودعين الجدد الذين فقدوا ودائعهم.
مثال: لو فرضنا ان مودعاً ما كان لديه وديعة بـ 100 الف دولار في نهاية عام 2013 وتلقى عليها فائدة سنوية بنسبة 5.7% لمدة ست سنوات، (وهي فائدة قيدية لا تغطى بدولارات حقيقية)، ثم قام بتحويلها الى خارج لبنان مع فوائدها فأصبحت 200 الف دولار. عملياً، هو اخذ وديعته الأصلية مضافاً اليها مائة ألف دولار من ودائع المودعين الذين ابقوا ودائعهم داخل لبنان، وحسابه الحقيقي هو 100 الف دولار الأصلية إضافةً إلى 100 مائة الف «لولار» سعرها 800 مليون ليرة لبنانية، أي ما يوازي 26600 دولار أميركي على سعر صيرفة، وعليه يجب أنْ نسترد منه 73400 دولار اي ما يوازي36.7% من امواله المحولة الى الخارج. ويتم ذلك بحكم قضائي وبسند تحصيل يصدره البنك الذي يدير الحساب وعبر حكم قضائي.
ما مفاعيل تطبيق حكم القضاء الفيدرالي الأميركي
في قضية مادوف على انهيار لبنان مالياً؟
تشير تقديرات جادة ان مجموع التحويلات الى الخارج لاسباب غير الاستيراد والتجارة بين عامي 2014 و 2022 قد تجاوزت مبلغ 40 مليار دولار اميركي. ان تطبيق حكم القضاء الاميركي على الحالة اللبنانية سيستعيد الى القطاع المصرفي سيولة بالدولار الحقيقي تصل الى 14.68 مليار دولار، فيما يتم تخفيض الفجوة المالية في لبنان مبلغ 34 مليار دولار اميركي، وستحسب هذه القيمة ثلاث مرات وتشطب 3 مرات؛ واحدة من عجز الخزينة لدى مصرف لبنان، وثانية من الفجوة في مصرف لبنان وديونه لدى القطاع المصرفي، وثالثة تخفض البنوك مطلوباتها من مودعيها بالرقم نفسه. في هذه الحالة، المودع ليس مظلوماً لأن أصل وديعته معترف بها بالكامل، والباقي من الفوائد يرد له على سعر/ 8000/ ليرة لبنانية لكل «دولار» أو «لولار». والاقتراح هذا يتوافق مع التعميم الخجول لمصرف لبنان رقم 154 الذي طلب من المصارف حث زبائنهم على إسترجاع 20% من ودائعهم المحولة إلى الخارج إبتداء من 2017، وعلى تحويل 30% من هذه الودائع اذا كان اصحابها من الـ PPs او من إدارات البنوك وحاملي أسهمها، لأنهم يخضعون لجريمة التداول من الداخل délit d›initié التي يعاقب عليها القانون اللبناني بموجب المادة 160/2011.
ماذا عن الباقي من الفجوة المالية؟
أما الباقي من الفجوة المالية، فيجري سداده بعدة طرق أبرزها؛ ضخ رساميل جديدة في المصارف، عبر إعادة رسملة تصل إلى ثلثي قيم أسهمها بنحو 16 مليار دولار، وهذا المبلغ هو لتعويض خسارة المصارف في رأسمالها، المقيّم بـ 22 مليار دولار على سعر الصرف الرسمي 1515 ل ل، بعد اعتماد سعر صرف جديد للدولار هوـ 15000 ل ل. ويبقى من الفجوة المالية 21 مليار دولار يمكن معالجتها بعدة طرق مثل التصرف ببعض الأصول العامة (الكازينو، انترا، والميدل ايست، بالإضافة إلى طرح رخصة خلوي ثالثة، وتأجير مرافق عامة معينة، وتفعيل إستثمار الأملاك البحرية).
ماذا عن «الكابيتال كونترول»؟
«الكابيتال كونترول» كان اوانه نهاية سنة 2014، حيث كان ضرورياً لحفظ الودائع داخل لبنان، وللشروع بالتوازي بإصلاحات بنيوية واقتصادية ومالية، اما اليوم فهو تشريع لجرائم مالية، وتسوية لعمليات احتيال طالت شعب لبنان بأكمله.