سوء إدارة “الطاقة” يُعمّق أزمة الكهرباء

مرة جديدة يحرّف الفريق الممسك بوزارة الطاقة الحقائق، ويحمّل “مجموعات تسيطر على المحطات وتحول أكثر من نصف الإنتاج إلى مناطق نفوذها” مسؤولية الإنقطاع شبه التام للتيار الكهربائي. بدلاً من أن تخصص الطاقة جزءاً من سلفة 200 مليون دولار لصيانة المعامل وشراء قطع الغيار الضرورية، صرفتها كاملة في معملي الذوق والجية القديمين اللذين يستهلكان الفيول بمعدل مرتين اكثر من المعامل الحديثة “، يقول مدير العمليات في شركة MEP التي تشغل معملي الذوق والجية الجديدين يحيى مولود. فـ”كانت النتيجة نفاد سلفة الفيول من دون أي تحسّن في الكهرباء، في الوقت الذي كان من الممكن فيه رفع التغذية إلى 12 ساعة يومياً”. وبحسب مولود “لو تم صرف 10 إلى 15 في المئة من السلفة على قطع الغيار لاستطاعت المعامل تأمين من 10 إلى 12 ساعة تغذية بدلاً من 5 ساعات. ولكنا وفّرنا أيضاً فاتورة دعم المازوت الباهظة للمولدات الخاصة التي تؤمن الكهرباء في ساعات انقطاع كهرباء الدولة”. هذا الخطأ الفادح الذي تبرره الطاقة بالتزامها بحرفية القانون الصادر عن مجلس النواب في 29 آذار الفائت، “كان من الممكن تعديله بسطر واحد”، بحسب مولود. و”يكفي إضافة، أي مستلزمات ضرورية على القانون، لتحسين استغلال السلفة وذهابها لمصلحة المواطنين كما هو مفروض منها، وليس لجيوب التجار والشركات الموردة للمحروقات”.

في ظل إصرار المركزي على عدم فتح اعتماد للكهرباء، وصعوبة تأمين التوافق بين الكتل النيابية على سلفة خزينة جديدة، فان التعويل الوحيد هو على النفط العراقي. إلا أن المشكلة الكبيرة في هذا الملف هي سرية العقد وعدم وضوحه وإمكانية تطبيقه باستنسابية وبشكل مخالف للقانون”، بحسب مولود. و”هو ما يعيدنا بالذاكرة إلى المشاكل التي حدثت مع سوناطراك للأسباب نفسها. فالعقد الموقع بين الجانبين العراقي واللبناني لا تعوزه الشفافية وضرورة الإفصاح عن الآلية والطريقة التي سينفذ بها فحسب، إنما أيضاً إلزامية إخضاع عملية الشراء عبر التبادل ” swapping” لإدارة المناقصات. إذ لا يمكن من وجهة نظر مولود “تسليم هذه العملية إلى المديرية العامة للنفط التي تدور حولها شبهات بالفساد وتزوير نتائج التحاليل وغيرها الكثير من علامات الإستفهام على طريقة عملها وإدارتها لمف الفيول. كما أنه لا يجوز ترك هذه العملية بيد وزير الطاقة منفرداً لشراء البواخر والتعاقد مع الشركات الموردة بعيداً عن مناقصات شفافة وواضحة. وهذه مواضيع أساسية وجوهرية وليست تفصيلية. وإلا نكون ندور في الحلقة المفرغة عينها”. أما في ما خص قطع الغيار وتأمين متطلبات صيانة المعامل فان العملية أصبحت أكثر تعقيداً وتتطلب الكثير من الوقت. خصوصاً أن الشركات في الخارج لم تعد توافق على تسديد ثمن 30 أو 50 في المئة من القطع لكي توردها. وأصبحت تطلب تحويل 100 في المئة من قيمة الشحنة. كما أن المصارف توقفت عن فتح الإعتماد المستندي “Letter of credit التي يُدفع بمُقتضاها للبائع من حساب المُشتري مَبلَغاً من المال عند تقديم بعض الوثائق من البائع، مما يُعطي البائع درجة عالية من الأمان للدفع إذا تحققت كل الشروط”.

المفارقة أن معملي الجية والذوق الجديدين مصممان للعمل على الغاز الأرخص ثمناً والأقل تلويثاً. ومعدات تحويلهما من زيت الوقود DIESL OIL إلى الغاز مرمية في مستودعات الكهرباء منذ العام 2013. وعلى الرغم من إصابة القطع بالتقادم وعدم معرفة ما تتضمنه بالتفصيل والدقة، فان إمكانية تركيبها ما زالت قائمة بحسب مولود وهي لا تتطلب إلا استلام القطع والكشف عليها وتركيب سيلندرات الغاز مكان المازوت في المحركات. فلماذا لا تتجه الطاقة باتجاه هذا التحويل وتوفر ما لا يقل عن 400 مليون دولار سنوياً من فاتورة المحروقات؟ ولمصلحة من الإستمرار باستيراد الفيول أويل ودفع مبالغ طائلة في حين أن امكانية التوفير موجودة. أسئلة كثيرة جوابها الوحيد قد يتضح بأسماء الشركات التي ستفوز بعقد توريد النفط العراقي ومرجعيتها السياسية وشركائها في الداخل. ومن الآن لوقتها، تستمر فوضى الإدارة إذا أحسنا الظن، أو الفساد والتآمر مع الشركات المستوردة على مصلحة الوطن والمواطن إذا أسأنا الظن، في تعطيل أي حل عملي ونهائي لأزمة الكهرباء المستفحلة.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةالمستشفيات تُحذّر من توقّف عملها بعد نفاد مادة المازوت
المقالة القادمةالأمم المتّحدة قلقة من تداعيات أزمة الوقود في لبنان