سوريا: سقوف السحب المصرفية تعزز السوق السوداء.. وتبعد الاستثمارات

لا تعرقل القيود المصرفية الصارمة التي يفرضها مصرف سوريا المركزي على السحب والتحويل والإيداع، دخول الاستثمارات إلى سوريا فقط، بل تعزز أيضاً، دور الاقتصاد الموازي وتجعله شديد الفاعلية من خلال إنعاش السوق السوداء وشبكات التحويل غير الرسمية، بحسب ما يؤكد خبراء اقتصاديون لـ”المدن”.

وبالرغم من إعلان مصرف سوريا المركزي نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، رفع التجميد عن معظم الحسابات المصرفية في سوريا، حيث يؤشر القرار إلى أن بإمكان المودعين تقديم طلبات سحب أو تحويل الأموال وإجراء الإيداعات دون تقييد، إلا أن عراقيل عديدة تقف أمام هذه الخطوة من بينها اشتراط مراجعة البنوك لهذه الطلبات بناءً على السيولة المتوفرة، وتقييد حدود السحب اليومي مع توقف الإيداع، بحسب ما أكدت مصادر أهلية واقتصادية لـ”المدن”.

وتشير هذه المصادر إلى أن التحويلات الخارجية لا تجري حالياً عبر الشبكة المصرفية، بسبب تذرع البنوك بنقص السيولة، ما يجعل المواطن مضطراً إلى الاعتماد على شركات السوق السوداء التي لا تزال تنشط في جميع المحافظات السورية، على الرغم من قرار المصرف المركزي بضرورة توفيق شركات الصرافة أوضاعها القانونية خلال مدة لا تتجاوز شهراً واحداً.

آثار كارثية
ويرى الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، أن واقع العمل المصرفي في سوريا حتى اللحظة لا يُعدّ داعماً للاقتصاد، لا سيما فيما يتعلق بقيود السحب، حيث تفرض غالبية المصارف سقف سحب يومي لا يتجاوز 300 ألف ليرة (تعادل 25 دولاراً) وأقل من مليوني ليرة أسبوعياً (تعادل 166 دولاراً).

ويؤكد في حديث لـ”المدن”، أن هذه القيود تُعدّ “تعطيلاً خطيراً للمصارف”، لأن هذا الوضع لا يشجع الأفراد ولا الشركات على التعامل مع المصارف، فالإيداع متوقف، كما أن التحويلات الخارجية لا تتم عبر البنوك، بل تتم عن طريق الشركات الخاصة أو عن طريق شبكات التحويل في السوق الموازي.

ويوضح السيد عمر أن هذه القيود تؤثر سلباً على الاستثمارات، وهذا يظهر من خلال ابتعاد المستثمرين عن التعامل مع البنوك، كما أنها تعطل الشبكة المصرفية ما يغذي نشاط شركات الصرافة غير المرخصة، مؤكداً أن تداعيات التقييد سلبية بالنسبة للحكومة، لأن نشاط السوق الموازي يحد من قدرة البنك المركزي على توجيه السوق النقدي في الدولة، كما يضعف الثقة بالبنوك ويخرجها من السوق لصالح الشركات غير المرخصة.

إجراءات طارئة
ولا تعد القيود المفروضة “سمة طبيعية للإجراءات الاقتصادية الصحيحة”، كما أن هذه القيود تفرضها الأزمة الاقتصادية بحيث يجب أن تبقى “إجراءات طارئة ومؤقتة”، إذ ينبغي السماح بحرية السحب والإيداع على حد سواء في المرحلة المقبلة، بحسب حديث الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، لـ”المدن”.

ويرى قضيماتي أن البلد يمر بمرحلة استثنائية تجعل القائمين على الشؤون النقدية والمؤسسات الاقتصادية يلجؤون إلى تقييد السيولة والتحويلات، على الرغم من التداعيات السلبية المترتبة عن هذه السياسة بما يخص دخول الاستثمارات وتعزيز السوق الموازية.

ويقلل قضيماتي من أثر القيود المصرفية الداخلية على قضية الاستثمارات الخارجية، عازياً عدم المساهمة الفعالة للفاعلين الاقتصاديين في قطاع الاستثمار، إلى العقوبات الغربية بشكل أساسي، وبالتالي فإن القيود المصرفية تلعب دوراً تالياً للسبب الرئيسي وهو العقوبات الغربية.

لكن في المقابل، يعزو قضيماتي وجود القسم الأكبر من السوق الموازي إلى القيود المفروضة على السحب، في حين تأتي قرارات المصرف المركزي الأخيرة حول توفيق أوضاع المؤسسات المالية ضمن خطة لضبط هذا السوق وتقليصه قدر الإمكان.

ما المطلوب حاليا؟
ويوضح قضيماتي أن المطلوب حالياً إعادة ترتيب البيت الاقتصادي الداخلي من خلال إصدار قوانين واضحة تخصّ تعامل المواطنين مع الشبكة المصرفية وتعامل البنوك مع بعضها، حتى ولو كان ذلك بشكل تدريجي، معتبراً أن هذه القوانين تُعدّ الخطوة الأسهل مقارنة بالإجراءات التالية المطلوبة مثل العمل على رفع العقوبات وطباعة عملة جديدة.

بدوره، يدعو الباحث يحيى السيد عمر، إلى إيجاد حل لمشكلة السيولة والسماح بالإيداع والسحب من البنوك دون سقوف، أو أن يكون السقف مرتفعاً بحيث لا يعرقل النشاط الاقتصادي.

مصدرالمدن - محمد كساح
المادة السابقةثلاث طائرات اماراتية الى مطاررفيق الحريري الدولي اليوم
المقالة القادمةالسياحة تترقّب عودة الخليجيين إلى لبنان أما الاستثمار فـ”مشروط”