هل نعود الى نقطة الصفر في مواجهة “كورونا”؟ كل السيناريوات مفتوحة على احتمالات عدة، فالأعداد المرتفعة التي سُجّلت تُنذر بالخطر. فهل نتّجه نحو التعبئة من جديد بعد فتح البلد وعودة الحياة الى سابق عهدها؟ المؤكّد أننا دخلنا مرحلة جديدة من مواجهة الوباء، مع تزايد الأعداد التي باتت خارج حسابات المواطن أصلاً.
لم يعد “كورونا” يُخيف الناس أو يؤرق حياتهم، بات مجرّد إنفلونزا عادية. ما يُخيفهم مأزق الفقر الذي يواجهونه، كلّ من زاويته. لا يعرف المواطن من أين يتلقّى الأزمة، صفعة وراء أخرى، كالفطر تفرّخ الأزمات داخل يومياته المُثقلة بالهموم والمآسي، “من وين بدو يلاقيها المعتر”؟ ما إن يستوعب أزمة غلاء السلع حتى يهبط عليه ارتفاع جديد للدولار، والسعر يُحلّق صعوداً نحو الـ 6000، ولم تفلح حملات القبض على المتلاعبين به، بتهدئته ولو ليوم واحد، بل يواصل إرتفاعه من دون رادع، فكيف يواجه المواطن والتاجر واقع الحال؟
بعد غياب ثلاثة أشهر، استعاد سوق الإثنين الشعبي حياته وصخبه، وعجقة الروّاد الذين قصدوه بحثاً عن الرخص. ولكن بأي حال عدت يا سوق؟! أسعار مرتفعة، شحّ في البضائع، وتنامي صرخة التجّار الذين يقفون بين مطرقة الدولار المفقود، وسندان عجزهم عن شراء البضائع. وبينهما، يواجه السوق في أول أيامه أزمة على طوله، عبَّر عنها مُعظم التجّار بعبارة “كنّا منفضل نبقى بلا سوق على أن نواجه أزمة السوق”. فمن حضر أتى “للفرجة” ليطّلع على حاله بعد غيابه. صحيح اتّخذت كل الإجراءات الوقائية عند مداخل السوق من قبل بلدية النبطية، لكنّه لم يُسجّل حركة زائدة كما كان مُتوقعاً. فلا المواطن يملك قدرة شراء الملابس والأحذية، ولا التجّار في وارد شراء البضائع، فالغلاء في حساباتهم “واصل للركب”، ما يعني أن الكلّ في مأزق، وأن السوق الذي كان يواجه حالة ركود خطيرة قبل إقفاله بسبب “كورونا”، يفتح مجدداً على أزمة أخطر. ما زاد الطين بلّة، بحسب التجّار أن “مُعظم البضائع مستوردة وبالتالي تعتمد على الدولار، ربّما كان سيكون الأمر مُختلفاً لو كانت البضائع ماركة محلية والألبسة لبنانية، ما كنّا سنقع في هذه الأزمات التي أعادتنا سنين الى الوراء”.
بحسب التاجر أبو علي، “حبّذا لو كانت صناعة الألبسة ناشطة كما كانت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، غير أن سياسة الدولة طيلة العقود الماضية أهملت القطاع الصناعي، وما وصلنا إليه اليوم حصاد طبيعي لسلطة اللامبالاة للقطاعات المنتجة”. وأبو علي من رعيل السوق القديم، شهد مراحل تطوّره، يتنقّل عادة بين أسواق الجنوب الشعبية كافة، عايش فترة “عزّ السوق”، وعجقة الروّاد من مختلف القرى، يتحسّر على “تلك الأيام”، يقول إنّها “العصر الذهبي للسوق”، ولا يُخفي أن “السوق اليوم يعيش أزمة كبرى، لا يُنقذه منها إلا عودة السيولة بين الأيادي، ويجزم بأن “أولوية الناس تأمين الطعام لا الملابس”. وأكثر من ذلك، يخشى التجّار أن تستمرّ الأزمة وقتاً أطول، حينها بالتأكيد سيتوقّف عمل السوق ليس بسبب “كورونا”، بل بسبب الدولار الذي أفقد مُعظم التجّار رأسمالهم، ووضعهم على خط تماس بين الإقفال والتريّث، بانتظار ضبط سعر الدولار “بلكي منتنفّس”، يقول أبو علي.