يستعد المصرفيون الاستثماريون لعام صعب آخر قادم بعد خسارة الرسوم المربحة من ترتيب مبيعات الأسهم مع هبوط سوق الطرح العام الأولي إلى القاع منذ 2008.
ومع الأسئلة التي تدور حول السياسة النقدية واحتمال حدوث ركود يلوح في الأفق، يحبس مستشارو الاكتتاب أنفاسهم بشأن التعافي على المدى القريب في أسواق رأس المال.
وتراجعت مبيعات الأسهم العالمية هذا العام مع تجميد سوق الاكتتاب العام وتأجيل مئات الشركات لأول مرة في سوق الأسهم، حيث أثرت تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية ورفع أسعار الفائدة من البنوك المركزية على الاقتصاد الأوسع.
ونسبت وكالة رويترز إلى جيمس بالمر رئيس أسواق رأس المال في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا (أي.سي.أم) ببنك أوف أميركا قوله “كل ما يتعلق بالمعدلات تغير بما في ذلك سعر النقود وقد أثر ذلك على كل شيء”.
وقامت البنوك بتأمين ما قيمته 515 مليار دولار من الأسهم منذ بداية العام الجاري وحتى الآن، بانخفاض 66 في المئة مقارنة مع العام الماضي بأكمله.
وهذه البيانات أوردتها شركة ديالوجيك الأميركية التي رتبت نحو 800 ألف عملية استحواذ واندماج وسحب استثمارات وإعادة رسملة وإعادة شراء منذ تأسيسها في 1983.
ويقول محللو غولدمان ساكس إن ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم وضبابية نمو الاقتصاد العالمي كانت من أسباب التراجع وهو ما أثر سلبا على شهية المستثمرين والشركات للتوجه نحو الاكتتابات.
وباستثناء عمليات مثل عرض بورشه البالغ 9.4 مليار يورو في سبتمبر الماضي، تم تأجيل معظم الصفقات الرئيسية بما في ذلك صفقة شركة غالديرما السويسرية المتخصصة في الأمراض الجلدية وشركة آرم البريطانية، وهي وحدة تصنيع الرقائق لسوفت بنك الياباني.
وفي ضوء ذلك، لا يتوقع مستشارو الاكتتابات العامة الأولية انتعاشًا في القوائم الجديدة قبل النصف الثاني من العام المقبل.
وقال فاليري باريير، الذي يشارك في قيادة امتياز سيتيز إيميا إي.سي.أم، “نحن ندخل عالما جديدا من الركود لم نشهده منذ فترة”.
ولكنه رجح “زيادة رأس المال الأولي والمزيد من السندات القابلة للتحويل لتخفيض كلفة التمويل وبيع الأسهم غير الأساسية”.
ومع استمرار ارتفاع كلفة الديون، يتوقع المصرفيون أن تلجأ الشركات إلى حلول الأسهم الأخرى كطريقة لإدارة ميزانياتها العمومية وحماية تصنيفات الشركات الخاصة بها.
ومن الأمثلة الحديثة على مثل هذه الصفقات، سندات شركة يوبيسوفت الفرنسية القابلة للتحويل، والتي تبلغ قيمتها 470 مليون يورو، وطرح أسهم بنك كريدي سويس بقيمة 4 مليارات فرنك سويسري (4.3 مليار دولار).
وتأمل البنوك أيضا في أن يمتد الانتعاش الأخير في الصفقات المجمعة وزيادة رأس المال إلى العام الجديد.
وقال أليكس واتكينز الرئيس المشارك لشركة إي.سي.أم في جي.بي مورغان لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا “لقد تراجعت التقلبات لذا فإن الأسواق لديها مقومات للإصدار وللارتفاع”.
وتراجعت الأسهم العالمية الأسبوع الماضي بعد سلسلة من التصريحات المتشددة الصادرة عن المسؤولين بالبنوك المركزية الكبرى.
ويراهن البعض من المستثمرين على أن أسعار الفائدة ستبدأ في الاستقرار في وقت أقرب مما أشار إليه صانعو السياسات النقدية، حيث يظهر التضخم علامات على بلوغ الذروة.
وثمة إجماع على أن التباطؤ في الاكتتابات الأولية ترك تراكمًا من الشركات عالية النمو، ولكن غير المربحة، والتي تنتظر طرحها في السوق.
وقال غاريث مكارتني الرئيس المشارك العالمي لأسواق المال في شركة يو.بي.أس إن “نشاط الأسواق يميل إلى أن يكون أعلى في فترات الشدة أو حيث يكون النمو قويًا، واليوم نحن في المنطقة الضبابية”.
ويُنظر إلى عودة المستثمرين منذ فترة طويلة فقط إلى صفقات أسواق رأس المال على أنها أساسية لأي انتعاش، بعد عام قامت فيه صناديق التحوط بدور قيادي كمشترين للإصدارات الجديدة.
وقال أنطونيو ليمنز رئيس نقابة الأسهم في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في كريدي سويس “من العدل أن نقول إنه في بعض الأحيان طوال عام 2022، شهد نشاط بناء الدفاتر المتسارع مشاركة أكبر نسبيًا من صناديق التحوط”. لكنه أشار إلى أن “الطلب منذ فترة طويلة فقط بدأ في الزيادة”.
وقال جيري كيف رئيس الخدمات المصرفية العالمية للأميركتين في بنك أتش.أس.بي.سي إن “المشاركين الآخرين في السوق ينتظرون لمعرفة أين تتم تسوية التقييمات قبل أن يلتزموا بصفقات جديدة”.
وسيكون هيكل المعاملات أيضا عاملا رئيسيا في نجاح الاكتتابات الأولية في المستقبل، لا سيما بالنسبة إلى الشركات المدعومة من الأسهم الخاصة التي تحمل مبالغ كبيرة من الديون.
وقال لورانس جاميسون رئيس أسواق المال في بنك باركليز “ما ستراه على الأرجح هو الصفقات التي يتم طرحها في السوق والتي تكون خالية من المخاطر بشكل كبير، على خطى شركة موبيلياي الأميركية”.
ومن المتوقع أن تظل أكبر شركات الأسهم الخاصة في العالم، التي اضطرت إلى تأجيل طرح عشرات من شركات المحافظ الجاهزة للاكتتاب العام هذا العام، حذرة خلال الأرباع القليلة القادمة.
وقال بالمر “سينتج الكثير من هذا تقييم ملف عائد الاستثمار، بالإضافة إلى ديناميكيات الصناديق ذات الصلة بشكل عام”.
وكانت منطقة الشرق الأوسط نقطة مضيئة للاكتتابات، حيث تتجه الشركات المملوكة للقطاع الخاص والمدعومة من الدولة إلى أسواق رأس المال والسيولة. وقد جمعت هذه الشركات المزيد من السيولة هذا العام أكثر من أوروبا وأفريقيا مجتمعتين.
وتظهر التقديرات أن الإدراجات في الخليج العربي جمعت 18.5 مليار دولار هذا العام، وهي تمثل ما يقرب من نصف العائدات، التي شهدتها بقية دول الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا.
وتتجه منطقة الخليج إلى تسجيل ثاني أفضل عام لها على الإطلاق من حيث مبيعات الأسهم، بعد 2019 والذي شهد أكبر طرح قادته أرامكو السعودية وقد جمعت حينها 29.4 مليار دولار.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، سعّرت شركة تكرير النفط السعودية لوبريف عرض أسهمها البالغ 1.3 مليار دولار في الجزء العلوي من النطاق السعري الأولي على خلفية طلب قوي من المستثمرين.
ولكن شركة أمريكانا المشغلة للمطاعم تراجعت عن إدراج مزدوج بقيمة 1.8 مليار دولار في نوفمبر.
ومع ذلك، هناك طريق أطول للتعافي ينتظر بقية العالم. وقال جوشوا بوني الرئيس المشارك لممارسة أسواق رأس المال العالمية لشركة سيمسون ثاتشر آند بارتليت “عندما تسير سوق الأسهم على هذا النحو، لا يشتري الناس عادة إصدارات جديدة”.