سوق “البالية” يزدهر في صيدا… والشراء لم يعد بالخفاء أو على استحياء

اشتداد الازمة لم يعد يقتصر على العودة الى اساليب العيش البدائية في القرن الحادي والعشرين: الشموع بدلاً من الكهرباء، السير على الاقدام او الدراجات على اختلافها بدلاً من السيارات، مواقد الطين والحطب بدلاً من الغاز بسبب الغلاء، الطب البديل بدلاً من المستشفيات، والاستغناء عن كل الضروريات بعد الكماليات، بل في عودة الاقبال على اسواق “البالية” في مؤشر صارخ على الفقر المدقع، بعدما إختفت منذ سنوات من مدينة صيدا ومخيماتها الفلسطينية وبعض مناطق الجنوب حيث بات المواطنون يفضلون شراء الثياب المستوردة من بعض الدول رخيصة الاسعار. “لا أحد يحب أن يلبس بعد غيره” يقول رب العائلة الاربعيني ابو احمد بيضون لـ”نداء الوطن” وهو يصبّ جام غضبه على الازمة الاقتصادية والغلاء الذي حرمه من شراء الثياب والاحذية الجديدة لاولاده الثلاثة وأجبره على ارتياد احد محال “البالية” (الثياب المستعملة) ليكسيهم مع بدء فصل الشتاء والبرد”، ويضيف: “مع اشتداد الازمة المعيشية تحولت الأولويات الى تأمين الطعام والشراب، فالعمل في احد المقاهي لا يطعم ولا يسمن من جوع والانكى انني لا استطيع الشراء للجميع دفعة واحدة، بل اعتمدت برنامجاً يقوم على التقشف وشراء الثياب لكل ولد شهرياً، ثم اتبعه بالاحذية اذا كانت لا تصلح”.

وقبل عقدين وأكثر من الزمن، عرفت صيدا سوقاً خاصاً بـ”البالية”، فوق “سوق الذهب”، إضافة الى محال متفرقة في الاحياء الشعبية، تباع فيها الثياب المستعملة والاحذية والاهم الجاكيت والمعاطف وتكون مستوردة من الخارج وخاصة من أوروبا، ونوعيتها جيدة ومتينة، لكن نجمها أفل وعددها اليوم بات لا يتجاوز عدد اصابع اليدين، غير ان الاقبال عليها بدأ يزداد نتيجة الازمة المعيشية.

لم يعد الشراء من “البالية” يجري بالخفاء او على استحياء، فنادراً ما يغنم بعض الزبائن بقطعة مميزة من الثياب أو الأحذية المستعملة، يغادرون السوق متأبطين غنيمتهم معتبرين انهم وجّهوا بها طعنة انتقام متواضعة إلى صدر العوز والغلاء، لعلّ ما وفّروه من ثمن قطعة شبيهة جديدة يسدّ بعض الجوع. وصيدا ليست وحدها، ففي الجنوب هناك اسواق اسبوعية شهيرة، منها “سوق الاثنين” في النبطية، حيث تنتشر بسطات “البالية” بشكل لافت بعدما حلت بجدارة مكان البسطات التي تعرض البضائع الجديدة، وفي بنت جبيل سوق اضافي لـ”البالية”، يقصده الكثير من ابناء تلك المنطقة بسبب الفقر حيناً، أو لوجود عدد كبير من المزارعين الذين يشترون الألبسة البالية للعمل في حقولهم.

مصدرنداء الوطن - محمد دهشة
المادة السابقةدواليب السيّارات تحت مرمى اللصوص
المقالة القادمةإطلاق مناقصة إدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات