فاقم فقدان السيولة النقدية من السوق اللبنانية منذ تفجر الأزمة قبل أكثر من عامين جبل المشاكل والتحديات الهائلة التي تواجه أغلب القطاعات الإنتاجية بعد أن دخلت في حالة ركود اضطراري زاد من متاعبها على كافة المستويات.
وتسبب إغلاق معظم الشركات أبوابها في إلحاق مئات الموظفين بجحافل العاطلين، في ظل القيود المفروضة على عمليات السحب من البنوك وتخلّف الحكومة عن سداد ديونها وباتت سوق العمل في نهاية المطاف تدفع ضريبة تسارع انحدار الاقتصاد.
وأظهر مسح جديد أجرته الحكومة والأمم المتحدة وتم نشر نتائجه قبل أيام ارتفاع معدل البطالة الرسمي في لبنان بنحو ثلاثة أضعاف على وقع الانهيار المالي الذي يعصف بالبلاد.
وأشارت بيانات إدارة الإحصاء المركزية اللبنانية ومنظمة العمل الدولية إلى أن معدل البطالة في البلاد زاد من 11.4 في المئة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019 إلى 29.6 في المئة بنهاية يناير الماضي. وأوضحت الدراسة أن “ما يقارب ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل” مطلع هذا العام، مشيرة الى أن نسبة البطالة في صفوف النساء أعلى مما هي عليه لدى الرجال.
وبحسب المسح الذي شمل عيّنة من 5444 أسرة من مختلف المحافظات، فإن “العمالة غير المنظمة، أي تلك التي لا تغطيها بشكل كاف الترتيبات الرسمية ونظم الحماية، تمثل الآن أكثر من ستين في المئة من مجموع العمالة في لبنان”.
ووجد المسح أنّ نحو نصف القوى العاملة والقوى العاملة المحتملة قد “تم استخدامهما بشكل ناقص”، وهو مصطلح يشير إلى البطالة وإلى الأشخاص المتاحين للعمل لساعات أكثر مما يفعلون في الواقع، أو أولئك الذين لا يسعون للحصول على عمل.
وعلى وقع الأزمة المعيشية التي تعصف بلبنان وارتفاع كلفة المواصلات يتخلّف موظفون في القطاع العام وفي الأسلاك الأمنية والعسكرية عن الحضور بدوام كامل إلى مراكز عملهم.
وفقد عشرات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص وظائفهم أو جزءاً من مصادر دخلهم. واختار اختصاصيون وشباب كثر طريق الهجرة إلى الخارج مع بروز ظاهرة النزوح العكسي.
وكانت الدولية للمعلومات، وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلة، قد نشرت في سبتمبر الماضي دراسة أعدتها حول “الهجرة العكسية من المدينة إلى الريف” أظهرت أرقاما مقلقة بشأن ذلك.
ورغم أن معدي الدراسة نفوا وجود أرقام دقيقة عن العائدين من المدن إلى الأرياف إلا أنهم قدروا ذلك بأنها تتراوح بين 5 و7 في المئة من السكان. وقدرت الدراسة عددَ المقيمين في القرى والأرياف بنسبة 25 في المئة من اللبنانيين، أي نحو 1.1 مليون لبناني، كما استنتجت أن عددَ العائدين يتراوح بين 55 و77 ألف فرد.
ولفتت الدولية للمعلومات إلى أن هذه الأعداد مرشحة للزيادة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وتَفشي البطالة وارتفاع كلفة المعيشة في المدن مقارنة بالقرى والأرياف.
ويشهد لبنان منذ خريف 2019 انهيارا اقتصاديا غير مسبوق صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، خسرت بسببه الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار. ويترافق ذلك مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان الذين يعيش أكثر من ثمانين في المئة منهم تحت خط الفقر.
وبحسب تقرير صدر الأربعاء الماضي عن المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أوليفييه دي شوتر حول لبنان، “يجد تسعة من كل 10 أشخاص صعوبة في الحصول على دخل، و أن ما يزيد على 6 أشخاص من كل 10 يفكرون في مغادرة البلد”.
وحملت الأمم المتحدة “الدولة اللبنانية، بما في ذلك مصرفها المركزي” المسؤولية “عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإفقار غير الضروري للسكان، الذي نتج عن هذه الأزمة التي هي من صنع الإنسان” وكان “يمكن تجاوزها بالكامل”.
وتوجه اللبنانيون الأحد إلى مراكز الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، في استحقاق يتوقع محللون ألا يحدث تغييرا في المشهد السياسي العام في البلاد.
وتغيب عن برامج الغالبية الساحقة من المرشحين المتنافسين أي خطط أو برامج اقتصادية تقترح حلولا للأزمة الاقتصادية ولوضع حدّ للانهيار الاقتصادي. وتقع على عاتق البرلمان الجديد مسؤولية إقرار مشاريع قوانين وإصلاحات ملحّة يشترطها صندوق النقد الدولي لدعم لبنان بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات.